ساعد طفلك في التغلب على السلوك العدواني بطريقة صحية

23 فبراير 2025 | وقت القراءة : خمسة دقائق

هل تشعر بالقلق من تصرفات طفلك العدوانية؟ هل يتشاجر مع أقرانه باستمرار أو يرمي الأشياء حوله دون اكتراث؟ لا تقلق، فعدوانية الأطفال أمر شائع في معظم الأسر، خاصةً في السنوات الأولى من عمر الطفل. في هذا المقال، سنستكشف أسباب العدوانية عند الأطفال وكيف يمكنك التعامل معها بطرق فعالة وصحية لتربية طفل متوازن وسعيد.

مفهوم العدوانية عند الأطفال

قد تلاحظ تصرّف أطفالك بطريقة تسبب الأذى والضرر لغيرهم، سواء كانوا أشخاصًا آخرين أو حيوانات أو حتى ألعاب أو مقتنيات منزلية، الأمر الذي قد يُشعرك بالقلق والانزعاج، لكن في الحقيقة، يُظهر مُعظم الأطفال تصرفات عدوانية خلال مراحل حياتهم المختلفة بدرجات متفاوتة، وهذا يعني أنّه طالما كان الأمر واقعًا في نطاق المقبول لا ينبغي القلق حياله.

لكن ماذا يعني عندما يكون الطفل عنيفًا وعدوانيًا؟ كُل إنسان في طبيعته يميل إلى القتال في بعض المواقف للدفاع عن حاجاته ورغباته، إلا أنّ نضجه وإدراكه للأمور بشكل أعمق وقدرته على ضبط النفس هو ما يكبح جماحه، وبالتالي فإنّ الفرق بينك وبين طفلك هو درجة النضج، أي أنّ طفلك لم يصل إلى المستوى الكافي من النضج العقلي والانفعالي والعاطفي الذي يمكنه من السيطرة على تصرّفاته.

حتى إنّ بعض الدراسات تقول إنّ العدوانية عند الأطفال بمستواها المقبول دليل على رغبة إنسانية طبيعية في السيطرة وفرض الشخصية، خاصة في عمر صغير يتراوح بين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، ومثل هذه السلوكيات تتضاءل تدريجيًا كلّما تقدّم طفلك بالعمر، لكن في حال ثباتها بعد سن الخامسة فإنّ الأمر يستدعي الحذر.

كيف أعرف أن طفلي عدواني؟

تختلف مظاهر العدوانية عند الأطفال باختلاف أعمارهم وشخصياتهم، لكن عمومًا يُمكنك أن تلاحظ ما يأتي:

  • نوبات غضب شديدة وصعوبة التحكم في النفس
    قد يعاني الطفل من انفجارات غضب متكررة وشديدة، يشعر خلالها بأنه غير قادر على السيطرة على تصرفاته، وهذا قد يعكس إحباطًا داخليًا أو عدم قدرة على التعبير عن المشاعر بشكل صحيح.
  • الميل إلى العزلة والانطواء
    رغم أنَّ السلوك العدواني يبدو نشطًا، إلا أن بعض الأطفال العدوانيين قد يظهرون ميلًا إلى الانعزال والوحدة، وذلك من خلال رفض المشاركة في الأنشطة الجماعية أو الابتعاد عن أقرانهم بسبب شعورهم بالخوف من الرفض أو التقييم.
  • ضعف المهارات الاجتماعية
    غالبًا ما يفتقر الطفل العدواني إلى المهارات الاجتماعية التي تمكنه من التفاعل الإيجابي مع الآخرين، حيث يعاني من صعوبة في حل النزاعات أو التفاوض، مما يجعله يلجأ إلى أساليب عدوانية للتعبير عن رغباته أو الدفاع عن نفسه.
  • التمرد والعصيان المستمر
    قد يكون التحدي المتكرر للسلطة، سواء في المنزل أو المدرسة، من السمات الواضحة للطفل العدواني، ويمكن أن يظهر ذلك من خلال عصيان الأوامر أو الدخول في جدالات مستمرة مع البالغين.

أسباب العدوانية عند الأطفال

لا يُمكننا القول بالمطلق إنّ الإنسان يولد وفيه ميل للعدوانية، لكن بشكل عام شعور الغضب الذي  تنتج عنه العدوانية موجود في البشر بطرق مختلفة، وهو الذي يدفعنا لنُقاتل دفاعًا عن حقوقنا ورغباتنا، والطفل في البيت والمدرسة يكون تحت تأثير ضغوط من الأهل أو المعلمة، وبالتالي فهو يهرب من هذه القيود من خلال السلوكيات العدوانية التي قد تتزايد إذا شعر الطفل بأنّه محروم أو أنّه يتعرض لضغط شديد.

ومن ناحية أخرى، يزداد الميل للعدوانية عند الأطفال عند الشعور بالفشل والإحباط، ويدخل في هذا الإطار الفشل الدراسي أو المشكلات الجسمية أو الاجتماعية، حيث يشعر الطفل بأنَّ الآخرين أذكى منه أو أجمل أو أغنى، وهُنا يبرز دور تعميق فكرة تقبّل الذات عند الأطفال، حتى لا يميلوا للعدوانية أو جلد الذات، فضلًا عن شعور الطفل بأنّه منبوذ من أهله أو أقرانه.

كما يُمكن أن يكون السلوك العدواني عند الطفل ناتجًا عن ضعف جسماني، مثل شعوره بالحرارة أو الإعياء أو الزكام، وهي حالات عارضة، أو قد يكون، في أحيان قليلة جدًا، ناتجًا عن خلل نفسي أو جيني أو عدم اكتمال نضج الجهاز العصبي المركزي.

ما هو أسلوب التربية الذي يسبب السلوك العدواني؟

كثيرًا ما تكون العدوانية ناتجة عن الطريقة التربوية الخاطئة، فقد يشعر الطفل أنّه مهمل من أهله أو لا يأخذ حقوقه كما يجب، أو يرى والديه أو إخوته يتصرّفون أمامه بمثل هذه السلوكيات، سواء كانت هذه السلوكيات تُمارس معه أو بين أفراد الأسرة أنفسهم، ويدخل في هذا الإطار الشجارات بين الوالدين، والخلافات بين الإخوة، وهذه السلوكيات تظهر في نمط “التربية الاستبدادية”.

دعنا نتحدّث عن سبب آخر لعدوانية الأطفال وهو غياب الرقابة الأبوية الذي يظهر عادةً فيما يُسمى بـ “التربية المهملة”، حين يكثر غياب الأهل بسبب أو دون سبب، كأن يكونوا كثيري السفر أو العمل أو غائبين رغم حضورهم على أجهزتهم التكنولوجية، ويدخل فيها أيضًا عدم مراقبة المحتوى الذي يُشاهده الطفل، فقد يشاهد الطفل الأفلام والمقاطع العدوانية بشكل كبير، فيطبقها على غيره، كما يظهر ذلك في نمط “التربية المتساهلة” أحيانًا.

أشكال العدوان عند الأطفال

يُمكن أن يُظهر الأطفال سلوكيات عدوانية بأساليب مختلفة في درجتها وطبيعتها، تبدأ من البكاء الشديد وتمتد لتشمل التعرّض بالإيذاء للآخرين بطرق مختلفة، منها ما يأتي:

  • العدوان الجسدي: يتجلى هذا النوع في أفعال مثل الضرب، والعض، والركل، أو دفع الآخرين، كما يمكن أن يظهر في إلقاء الأشياء على الآخرين.
  • العدوان اللفظي: يتمثل في الشتم، والاستهزاء، وإطلاق الألقاب المسيئة، أو التهديد المباشر، وعلى الرغم من أنه لا يتسبب في أذى جسدي، إلا أن تأثيره العاطفي قد يكون عميقًا.
  • العدوان الاجتماعي: هذا النوع من العدوانية أكثر خفاءً لكنه لا يقل ضررًا، وقد يشمل نشر الشائعات، أو تجاهل الآخرين عمدًا، أو إقصاء طفل من مجموعة اللعب أو النشاط.
  • العدوان ضد الممتلكات: وذلك من خلال إتلاف ممتلكات الآخرين أو تخريبها، سواء عن طريق الكسر، أو الرسم على الجدران، أو تدمير الألعاب.

متى يحتاج الطفل تعديل سلوك؟

قد يمر كل طفل بمراحل يظهر فيها سلوكًا عدوانيًا، لكن عندما يصبح هذا السلوك متكررًا ويبدأ في التأثير السلبي على حياته اليومية، يصبح التدخل ضرورة ملحة، ومن مظهر ذلك ما يأتي:

  • تعريض النفس أو الآخرين للخطر.
  • التأثير على الأداء الأكاديمي.
  • العزلة الاجتماعية وصعوبة تكوين صداقات. 
  • المشاكل النفسية والعاطفية الناتجة عن العدوانية، مثل القلق والاكتئاب.
  • رفض اتّباع القواعد بشكل دائم مع العناد.
  • عدم القدرة على السيطرة على الانفعالات بشكل مفرط.

التعامل مع الطفل العنيف والعدواني

تعامل الأهل مع سلوك الطفل العدواني يتطلب مزيجًا من الصبر، والتخطيط، والفهم العميق لاحتياجات الطفل. إليك استراتيجية شاملة تساعدك في تعديل السلوك بطريقة واعية وإيجابية:

  • التجاهل المخطط: يكون السلوك العدواني في بعض الحالات مجرد وسيلة لجذب الانتباه، وعندما تتجاهله بشكل مدروس سيلاحظ الطفل أن تصرفاته السلبية لن تحقق غايته، فيبتعد عنها، لكن يُمكنك تطبيق هذا الأسلوب فقط مع عدم وجود خطر على الطفل أو على الآخرين.
  • أبعد طفلك عن الموقف: أخبر طفلك أنّه يحتاج إلى الهدوء وضبط النفس، وحاول أن تجعله يجلس في مكان آخر لبضع دقائق فقط حتى يهدأ.
  • الثناء المدروس: أظهر لطفلك أنك تلاحظ جهوده عندما يتصرف بشكل إيجابي، وقُم بالثناء عليه لكن بشكل غير مباشر وغير مبالغ فيه.
  • التعبير عن المشاعر: ساعد طفلك على فهم مشاعره ودربه على استخدام الكلمات الصحيحة للتعبير عن الغضب أو الإحباط.
  • مهارات حل المشكلات: علّم طفلك مهارات حل الخلافات بطرق غير عدوانية، مثل التفاوض أو طلب المساعدة.
  • بيئة آمنة ومُحبة: الأمان النفسي هو الأساس الذي يبني عليه الطفل سلوكه، لهذا عليك أن تتأكد من أن طفلك يشعر بالحب والدعم في المنزل والمدرسة، وأنه بعيد عن العنف والتوتر.
  • مهارات التواصل والتعاون: علّم طفلك كيف يتواصل مع الآخرين ويتعاون معهم في إنجاز المهمات بدلًا من إلقاء اللوم أو العدوان.

خطة تعديل سلوك الطفل العدواني

 

حتى تتمكّن من مُساعدة طفلك عليك أن تُفكر بالتسلسل الآتي:

  • ركز على سلوك عدواني محدد ترغب في تعديله، مثل الضرب أو الصراخ.
  • لاحظ الظروف التي تدفع طفلك للقيام بالسلوك العدواني، سواء كانت مواقف معينة أو أشخاصًا معينين.
  • درّب الطفل على سلوكيات بديلة؛ مثل طلب المساعدة أو استخدام الكلمات بدلاً من الأفعال ابتداءً.
  • استخدم التعزيز الإيجابي المدروس، وذلك من خلال شكر الطفل على التصرف السليم أو الثناء عليه دون مبالغة.
  • طبِّق عواقب منطقية ومتسقة ومفهومة للطفل في حال استمر بالسلوك العدواني.
  • تواصل مع المعلّم إذا لزم الأمر وقُم باستشارته واطلب منه المساعدة.
  • راجع مدى فاعلية الأساليب التي تطبقها، وأجرِ التعديلات إذا لم تحقق النتائج المرجوة.

والآن بعد أن تعرّفت إلى أساليب علاج السلوك العدواني عند الأطفال، سيكون بإمكانك تطوير مهارات طفلك الاجتماعية وتدريبه على التحكم في مشاعره بشكل أفضل، لكن في حال استمرت المشكلة لا تتردد في استشارة متخصص في علم نفس الطفل.