حين يواجه الأطفال ألم الفقد: كيف نساعدهم على الشفاء والتكيف؟

23 فبراير 2025 | وقت القراءة : خمسة دقائق

فقد الأحبة تجربة صعبة على الجميع، وقد تكون أشد قسوة على الأطفال الذين يواجهون الحزن لأول مرة، وقد يبدأ طفلك بالتساؤل عن الموت ومعناه بأسلوب بريء، بينما تعتريك الحيرة حول كيفية تفسير الأمر له دون أن تزيد مشاعره سوءًا. في هذا المقال، نأخذك في رحلة لفهم طريقة استيعاب الأطفال للموت حسب أعمارهم، مع نصائح فعالة لمساعدتهم على التأقلم والتعافي.

متى يفهم الأطفال معنى الموت ويتألمون له؟

قد يبدأ الطفل بالتعرّف إلى الموت مع فقدان حيوانه الأليف، فيتساءل عن الأسباب والمآلات، ويُحاول فهم ما حدث بأسلوبه الخاص، ثمّ يتعرّض لموت أحد الأقارب أو الأصدقاء أو الوالدين، خاصةً مع انتشار الأمراض والموت المفاجئ، وهُنا يكون الموضوع أصعب وأقسى بالنسبة إليه، وقد يُعبر عن حزنه بأشكال مختلفة مثل البكاء أو الصراخ أو الحنين أو الذنب.

من ناحية أخرى، سيُطيل طفلك التفكير في المستقبل والأمور المجهولة، وقد يتساءل عن أسباب الموت ومآلاته، وعن مستقبله ومستقبل بقية أفراد العائلة، ومن المحتمل أن يُصاب بما يعرف بـ “قلق الفراق لدى الأطفال”، الأمر الذي ينعكس على سلوكياته، فأحيانًا تراه منعزلًا، وفي أحيان أخرى يُصبح عدوانيًا، كما قد يتصرّف كطفل صغير، بأن يُبلل ثيابه أو يطلب الرعاية مع قدرته على الاعتناء بنفسه، لهذا ينبغي للأهل تفهّم هذه السلوكيات التي ستختلف وفقًا لشخصية الطفل وعمره، والتعامل معها بطريقة صحيحة.

الطفل في عمر (0-2)

لا يُمكن للطفل في هذا العمر أن يفهم معنى الموت، ولو تعرّض له بموت شخص قريب منه لن يفهم أنّه أمر نهائي، لكنه يشعر بالفراق، وكلّما طالت المدة أبدى انزعاجًا أكبر، وقد يظهر ذلك على شكل بكاء أو صراخ أو غضب، كما قد يزداد تشبثه بالأشخاص الآخرين كردّة فعل على الفقدان.

الطفل في عمر(3-5)

في هذا السن قد يفهم الأطفال تعبيرات بسيطة مثل: (فلان لم يعد موجودًا بيننا) أو (لا يمكنه أن يتحرك)، لكنّهم لا يفهمون أنّ الموت أمر مسلم فيه، فقد ينظرون إليه على أنّه انفصال مؤقت. ومن المحتمل أيضًا أن يشعروا بالذنب، وقد يعبرون عن مشاعرهم بالغضب أو القلق، وقد يبللون ملابسهم، كما قد يحاولون إظهار تجاهلهم للأمر وكأن شيئًا لم يكُن. 

الطفل في عمر (6-11)

في هذا العمر يبدأ الأطفال بفهم معنى الموت، وأنّه شيء نهائي، وقد يبدؤون بطرح الأسئلة عن طبيعة الموت وأسبابه، بل قد يوجّهون أسئلة مثل: (لماذا أبي بالذات؟) أو (لماذا اختار الله له الموت؟)، في هذه الحالات لا ينبغي نهي الطفل عن السؤال، بل عليك أن تُجيبه عن أسئلته بقدر فهمه، وأن توضح له معاني مثل الآخرة والجنة، وأن تشرح له معنى الموت من الناحية المادية؛ كأن تقول له: (توقف قلبه، ولم يعد قادرًا على الحركة والتنفس).

الطفل في عمر (12-15)

يكون ألم الفقد في هذه المرحلة أصعب من أي مرحلة سابقة، لأنّ الطفل يكون قد فهم أنّ الموت أمر حتمي يحدث للجميع حتى لهم أنفسهم، لكنّ مشاعرهم في هذه المرحلة تكون مضطربة، لهذا قد يعبرون عن حزنهم بطرق مختلفة؛ مثل الانعزال أو الكتمان أو التظاهر بعدم الاكتراث أو الشعور بالذنب، كما قد يشعرون بالمسؤولية تجاه الأسرة، خاصة في حالات فقد الأب أو الأم، فغالبًا ما يحاول الأخ الأكبر تعويض النقص الحاصل. 

كيف تساعد الأطفال على التعامل مع ألم الفقد

“والدك أصبح نجمة في السماء”، “لقد ماتت أمك، ولا يجوز أن نتكلّم عن الموتى”، “عليك أن تنسى صديقك المتوفى، فقد أصبح من الماضي”، “أخفضوا أصواتكم حتى لا يسمعنا الطفل فيتأثر بذكرى جده المتوفى”.

كثير من العبارات تُقال للطفل فتترك أثرها السلبي عليه دون أن يشعر الأهل بذلك، فهل من الصائب ألّا نُخبر الأطفال بموت ذويهم، أو ندفعهم لنسيانهم عنوةً؟ هل ذكرى الميت تُحزن الطفل أكثر أم إجباره على عدم تذكره والحديث عنه؟ لتتمكن من معرفة الإجابة عن هذه الأسئلة، سنُبين لك أساليب التعامل مع الأطفال بعد الفقد فيما يأتي:

توضيح معنى الموت بأسلوب بسيط ومناسب لعمر الطفل

ينبغي للأهل أن يقدموا للطفل شرحًا وافيًا بلغة بسيطة وصادقة، مع تجنب استخدام عبارات غامضة مثل “ذهب إلى السماء”، أو “أمك ستنام لوقت طويل”، والاعتماد على كلمات واضحة مثل: “الموت يعني أن الشخص لم يعد يتنفس ويتحرك مثلنا”، وبيان أنّ الناس كلّهم يموتون عندما يحين الوقت الذي كتبه الله لهم، وأنّ هذا كله خير، وفراق الميت أمر مؤقت حتى يتم اللقاء في الجنة، وهكذا.

اسمح لطفلك بأن يحزن

شجع الطفل على التحدث عن مشاعره مهما كانت طريقته، ولا تقول له عبارات مثل: “الرجال لا تبكي” أو “عليك أن تحتمل” حتى لا تحمل الطفل فوق طاقته. كما ينبغي لك أن تحزن وتشتاق وتتصرف بأسلوب طبيعي أمام أطفالك، وألَّا تخفي مشاعرك عنهم؛ لأنّ ذلك سيساعدهم على فهم مشاعرهم وتقبلها، لكن تجنب النحيب أو البكاء المفرط.

ساعد طفلك على التعبير عن مشاعره 

من الضروري أن يفهم الطفل المشاعر التي تنتابه ويعبر عنها أمام الآخرين، لأنّ هذه هي الخطوة الأولى في علاج الألم، ويُمكنك مساعدة طفلك بأن تقول له مثلًا: “لن يكون فلان بيننا بعد اليوم، وهذا أمر محزن للغاية لأننا سنشتاق له كثيرًا”.

أخبر طفلك عن العزاء

يتقبل الأهل عادةً التعازي من المقربين خلال الأيام الأولى من فقد الميت، الأمر الذي سيكون جديدًا على الطفل وقد لا يفهمه، خاصةً إذا كان صغيرًا، لهذا ينبغي للأهل أن يخبروا أطفالهم بما يجري، وأنّهم مضطرون للابتعاد عنهم لبعض الوقت؛ فمن الأفضل أن يبعدوا الأطفال الصغار عن أماكن العزاء، أمّا الأطفال الأكبر سنًا فمن الممكن أن يُسمح لهم بحضور هذه الأحداث في حال كانت الحالة النفسية للطفل تسمح بذلك، وكان الموقف ملائمًا.

تحدّث عن الميت 

إذا تجنَّبت الحديث عن الميت أمام الطفل أو نهيته عن ذلك، سيشعر بالخوف من فكرة الموت، فعلى الرغم من أنّ مثل هذه التصرفات تكون عادةً لمراعاة مشاعر الطفل إلا أنها ستترك لديه انطباعًا سلبيًا، بل على العكس عليك أن تخبر طفلك أن الميت قد رحل بالفعل، لكن ذكراه ستبقى بينكم، وأنّ هُناك أمورًا يُمكنكم فعلها لمساعدة الميت في هذه الأوقات مثل التصدق عنه والدعاء له.

توفير الدعم العاطفي

أظهر لطفلك أنك تستمع له وتحترم مشاعره، وأنك متاح لدعمه عاطفيًا عبر الاحتضان والتفاعل اللطيف، وأكد له أنك موجود إلى جانبه دومًا. كما يُمكنك أن تُخبره عن أخلاق الميّت وصفاته الحسنة، وتُبيّن له أنّ عليه أن يفتخر به ويذكره بالخير في كل المواقف.

حاول أن تتشافى من جروحك

الفقد موقف صعب وذكرى الأموات مؤلمة، هذه حقيقة لا يُمكننا الانتقاص منها، كما أنّ الكبار يُفكّرون في أمور أبعد مما يُفكر به الصغار، خاصة عند موت الأب المعيل أو الأم التي كانت تُمثل عماد البيت، وهذا طبيعي. لكن لتستمر الحياة، ينبغي للأهل أنفسهم أن يتصالحوا مع فكرة الموت والقدر وأنّ الدنيا حياة فانية، ليتمكّنوا من مُساعدة أطفالهم على تجاوز الموقف، إذ إنّ فاقد الشيء لا يُعطيه. 

كيف نتعامل مع طفل فقد والده؟

فقد أحد الوالدين من أقسى المواقف التي قد يمر بها الإنسان، لهذا ينبغي لنا التدرج مع الأطفال ومُساعدتهم على تجاوز مثل هذه المحنة بكل السبل الممكنة، وإليك بعض النصائح:

  • أخبر طفلك بموت والده بشكل مباشر وصريح، لكن مع مراعاة عمره وحالته النفسية، فقد أظهرت الدراسات أن ذلك يجعل الطفل أقدر على تقبل الفكرة وفهمها.
  • حاول العودة إلى الروتين اليومي الطبيعي بسرعة، فإذا اختل توازن المنزل لفترة طويلة سيشعر الطفل بالخوف والقلق.
  • أخبر الأشخاص المقربين من الطفل واطلب منهم المساعدة، حتى لو كانوا أصدقاءه وفي نفس سنه، فهذا سيسهل على الطفل تجاوز المحنة والشعور بالأمان من جديد.
  • عزز الشعور بالأمان لدى الطفل، فالأب بالنسبة لأي طفل هو مصدر الأمان، وعند موته قد يشعر بالفراغ والخوف.
  • أكد لطفلك أنك تُحبه، وأنك ستظل إلى جانبه، خاصة أنه في مثل هذه الحالة قد يشعر بالخوف من فقدان أشخاص آخرين في حياته.
  • أخبر طفلك أن والده لن يُنسى، وأنه رغم غيابه سيظل حاضرًا معه، وأخبره عن أخلاقه وصفاته ومواقفه المشرفة، وكم كان يحبه ويحب أن يراه متفوقًا وناجحًا وخلوقًا.
  • اهتمّ بإحياء ذكرى المتوفى، فلا بأس في أن يحتفظ الطفل ببعض الصور لوالده، أو قطعة من الملابس أو أي شيء من المقتنيات الخاصة به.

خوف الطفل من فقدان أمه

قد يتعرض الطفل إلى مواقف في حياته تولد لديه خوفًا من فقدان والدته، وقد يصل ذلك إلى درجة القلق الذي يؤثر على حياته، وهذا يتطلب رعاية مهنية متخصصة، لكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة حاولي أن تتدرجي مع طفلك لمُعالجة المشكلة من جذورها. 

الخطوة الأولى هي التعرف على الأسباب التي تشمل فقدان أحد الأقارب أو التعرض لصدمة عاطفية شديدة نتجت عن انفصال الوالدين أو غير ذلك. بعدها، حاولي طمأنة الطفل وإشعاره بحبك ووجودك إلى جانبه في كل الأوقات، لكن لا تعديه بأي شيء، حتى لا يتعرض لصدمة حقيقية لو حدث الفقدان بالفعل، وعلّميه كيف يتأقلم مع الفقد الذي قد يحدث، خاصة إذا كان خوف الطفل نابع من أسباب حقيقية مثل مرض الأم.

وخلال الأوقات التي تقضينها مع طفلك، حاولي أن تُعززي ارتباطك الآمن به، واقضي معه وقتًا نوعيًا، واشرحي له أنّ مخاوفه لا أساس لها، وأنّ الأعمار بيد الله، وأننا مهما حدث نقبل بقضاء الله وقدره، لكن علينا ألّا نتشاءم ونفترض الأسوأ. وإذا كان خوف الطفل ناتجًا عن مشاهدة أخبار الحروب والكوارث حاولي أن تشرحي له ما يحدث حوله بأسلوبك، وأبعديه عن الأفلام التي تعرض قصصًا محزنة.

كيف تُساعد القصص على دعم الطفل للتأقلم مع الفقد

ارتباط القصة بالواقع يجعلها أكثر قبولًا في نفس الطفل، ويمكنك الاكتفاء بسرد أحداث حقيقية حدثت لطفلك نفسه عندما تعرض لحادثة بسيطة وجُرح، وكيف أنه شعر بالألم الشديد في اليوم الأول، لكن هذا الألم بدأ يزول تدريجيًا في الأيام التالية حتى تلاشى تمامًا، لكنّه ترك ندبة صغيرة بقيت لتذكره بالموقف، وكذلك ألم الفقد يبدأ شديدًا ثم يخف تدريجيًا حتى يزول، لكن ذكرى الميت لا تزول بل تترك لنا علامة لنتذكره وندعو له دائمًا.

التعامل مع الحزن والفقد لدى الأطفال يتطلب صبرًا ووعيًا من الأهل، لهذا عليك أن تحرص على توفير الدعم العاطفي لطفلك إذا تعرّض لمثل هذا الموقف، وأن تكون قريبًا منه خلال هذه الفترة الصعبة، وتذكَّر أنَّ التعبير عن المشاعر والحوار المفتوح هما مفتاحا التعافي والعودة للحياة بروح مطمئنة.