تعليم الأطفال لفكرة التنوع واحترام الاختلافات لا يُنافي التمسك بالهوية الثقافية!

29 سبتمبر 2024 | وقت القراءة : خمسة دقائق

إنّ تبني الطفل لهويته الثقافية وتمسكه بها باعتبارها جزءًا من حياته وشخصيته أمر بالغ الأهمية، وهو لا ينافي فكرة التنوع الثقافي واحترام الاختلافات التي تخلق بيئة آمنة يُمكن لأطفالك العيش فيها بسلام. ومن هُنا برزت أهمية تعليم الأطفال عن ثقافات مختلفة وتشجيعهم على التفاعل مع الآخرين والتعرّف إلى خلفياتهم وعاداتهم واعتبارها مصدرًا للإبداع والإلهام. في هذا المقال ستتعرّف إلى العديد من الأنشطة الممتعة التي يُمكنك تجربتها مع أطفالك!

تعزيز الهوية الثقافية لدى الأطفال

عُرّفت الهوية الثقافية في المعجم الوسيط على أنّها “إحساس الفرد بنفسه وفرديته وحفاظه على تكامله وقيمته وسلوكياته وأفكاره في مختلف المواقف”، أيّ أنّها الأوصاف والخصائص التي تُطلق على مجموعة من الناس وتُميّزهم عن غيرهم، كما يُمكنك تعريفها لطفلك بشكل أبسط على أنّها “من نحن؟ على المستوى الجماعي، ومن أنا؟ على المستوى الفردي”.

وفي هذا العصر الذي اختلطت فيه مفاهيم التنوع الثقافي ومبادئه بمفاهيم الهوية الثقافية الراسخة، بات من الضروريّ لنا أن نُعرّف أطفالنا على أنفسهم وعلى الثقافة التي ينتمون إليها. وبشكل عام، ينبغي للأهل أن يُعرّفوا الأطفال بدينهم وبكلّ ما يتبعه من ممارسات وشعائر؛ باطنة كالصيام أو ظاهرة كالحجاب، وأن يشرحوها لهم ويجيبوا عن كل أسئلتهم ويُشجعوهم على القراءة والتعرف عليها بشكل أعمق، ليكون تمسكهم بها عن وعي وقناعة، وليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم إذا تعرّضوا للتنمر.

بالإضافة إلى ترسيخ فكرة الانتماء إلى الوطن والعروبة وما يرتبط بهما من ثقافات وعادات وتقاليد وأعراف مجتمعية وتراث راسخ عبر الأزمان، مع التركيز على فكرة أنّ مجرّد كون بعض الأفعال عادة مجتمعية منتشرة لا يجعلها عادة صالحة، فنحن نعتزّ بالأخلاق الكريمة؛ كالصدق والشهامة والكرم والشجاعة والدفاع عن الوطن.

تعليم الأطفال عن ثقافات مختلفة

ينبغي للأهل أن يعلّموا أطفالهم أنّ الاعتزاز بالهوية الثقافية لا يعني أبدًا التعدي على حقوق الآخرين أو الاستخفاف بهم ولا بأي شكل، فعلى الرغم من أنّ التمسّك بالهوية هو مصدر القوة وأصل الرقي، لكنّه لا يتعارض مع فكرة تقبل الآخر واحترامه والانفتاح على ثقافته مهما كان شكله أو لونه أو دينه أو عرقه.

ومما يجدر بنا ذكره في هذا السياق أنّ أطفالنا تعلّقوا بالشاشات لدرجة جعلت منها المعلم الأساسي الذي يُرسل لهم رسائل مبطنة تُقحمهم في قضايا التمييز والعنصرية خاصة إذا لم يكُن لديهم الوعي الكافي أو تربوا في بيئة منغلقة، لهذا ينبغي للأهل أن يبقوا متيقظين تجاه هذا الأمر لتجنّب أي تأثير سلبي على الأطفال.

ومن ناحية أخرى، ينبغي للطفل أن ينظر إلى اختلاف الثقافات على أنّه أمر يدعو للإبداع واستلهام الأفكار الجيّدة، خاصة في البيئات متعددة الثقافات؛ فمن خلال تشجيع الأطفال على التفاعل مع أشخاص من بيئات مختلفة والتعرف إلى عاداتهم وثقافاتهم والانسجام معهم في بيئة آمنة، فإنّهم سيتمكّنون من فهم العالم بشكل أفضل واكتساب العادات الجيّدة والبناء عليها، مع مراعاة الحفاظ على الرقابة الدائمة من الأهل، ليوجّهوا الطفل ويُعلموه التفريق بين الصواب والخطأ.

أنشطة تعزز التنوع واحترام الاختلافات

تُساعد الأنشطة العملية الأطفال على فهم فكرة التنوع الثقافي وممارستها عمليًا عند التفاعل مع الآخرين في المدرسة أو الحيّ، كما أنّها تُساعد على نبذ التنمر الناتج عن الأفكار العنصرية أو البيئات المنغلقة. وإليك بعض الأنشطة الممتعة التي يُمكنك تطبيقها مع أطفالك:

قراءة القصص

تُساعد القصص التي تحكي عن شخصيات تعيش في بيئات مختلفة ضمن إطار ثقافي مختلف الأطفال على استيعاب فكرة التنوع الثقافي أولًا ثُم تقبلها، خاصة إذا تمّ سردها وروايتها بأسلوب ممتع وجذاب خال من أيّ تحيّزات. وعليك أيضًا أن تُناقش طفلك في العادات الجديدة التي تعرّف إليها، وتخبره أنّ الشخصيات تنتمي إلى ثقافة مختلفة، وأنّهم يتّبعون عادات وتقاليد مختلفة، ولهم لغتهم وتعبيراتهم الخاصة بهم وعلينا احترامها.

نشاط ألوان البشرة

يُمكنك أن تعرف أطفالك على ألوان البشرة المختلفة من خلال جعلهم يرتدون ألوانًا مختلفة من الجوارب؛ البيضاء والبنية والسوداء والحمراء ونحوها، وتُخبرهم أنّ هذه هي ألوان البشرة الطبيعية المنتشرة حول العالم، وأنّ كل شعب لديهم لون بشرة يُميزهم عن غيرهم.

تجربة أطعمة مختلفة

يُمكن للأهل أن يطهوا أنواعًا مختلفة من الأطعمة التي تنتمي إلى بيئات مختلفة في أوقات مختلفة، ويُخبروا الطفل عن أصل هذه الأطعمة، كما سيكون من الممتع لو تعرّف الطفل على أصناف الأطعمة في مطاعم مخصصة تقدّمها بطابع تقليدي برفقة الأهل. 

حضور المهرجانات 

تُقام في بعض الدول مهرجانات كُبرى تُمثّل دول العالم المختلفة وتُعرف الناس على ثقافاتها، وذلك من خلال تمثيل رقصاتها الشعبية وعرض الأطعمة والمصنوعات الخاصة بها، والأزياء التقليدية التي يرتديها مواطنوها، وإنّ رحلة كهذه كفيلة بأن تُثري عقل الطفل بالكثير من المعلومات عن الثقافات المختلفة، وتساعده على تقبلها لأنّها تقدم بطريقة ممتعة.

لعبة الخرائط

عرّف طفلك على خريطة العالم، ودعه يشير إلى أي بلد فيها، لتخبره عنها وعن الثقافات المنتشرة فيها ونوع الأطعمة الذي يتناولونه ونحو ذلك.

الزيارات الميدانية

إذا توفّرت الإمكانيات المادية والشخصية خُذ أطفالك في رحلة إلى دول مختلفة، ودعه يتعرّف إلى ثقافاتها بنفسه من خلال رؤية أزيائها التقليدية وآثارها وتجربة أطعمتها والمشي في أحيائها. 

الصندوق الثقافي

أحضر صندوقًا وضع فيه أشياء تُمثل الدول المختلفة؛ مثل الأعلام والعملات والمصنوعات الخفيفة والصور والأطعمة وغير ذلك، ودع طفلك يفتحها بنفسه ليتعرف إلى ما في داخلها، وأخبره عنها. 

أنشطة اللغة

علّم طفلك الكلمات والعبارات الرئيسة باللغات المختلفة كالتحيات والأرقام، وعرّفهم إلى أكثر الأساليب والتعبيرات شيوعًا في دول العالم، خاصة تلك المتعلّقة بعبارات محددة. 

الجلوس مع الأجداد

دع طفلك يجلس إلى جانب أجداده ليخبروه عن تراث العائلة، وعن طبيعة الناس في بلادهم، وعن العادات والتقاليد المنتشرة، وعن طريقة الاحتفال والحزن في زمانهم. ومن المفيد أيضًا أن تُشاركهم الجلسة للتُناقشهم في شجرة العائلة والأصول الثقافية للأسرة، بالإضافة إلى سرد القصص ومشاهدة الصور القديمة ونحو ذلك.

وفي الختام لا بدّ لنا من التأكيد على أنّ النموذج الحسن الذي تقدّمه لطفلك أقوى أداة يُمكنك استعمالها، فلو رآك طفلك تعتزّ بهويتك الثقافية دون أن يؤثر ذلك على تقبلك للآخرين والدفاع عنهم إذا تعرضوا للتنمر والتمييز العنصري سيُقلّدك تمامًا، وسيفهم بالملاحظة أهمية التنوع واحترام الاختلافات وتقبلها.