الفرق بين الرعاية والتربية … انظر لما هو أبعد من تلبية الاحتياجات!

11 سبتمبر 2024 | وقت القراءة : خمسة دقائق

لم تعد مهمة تنشئة الأطفال وتربيتهم كما كانت في السابق، فقد أصبح الطفل أكثر حاجة لإشباع الرغبات العاطفية والنفسية وملء الفراغ الذي قد يدفع الطفل للاستخدام المُفرط للإلكترونيات، مما يؤثر على شخصيته ومهاراته على المديين القريب والبعيد. في هذا المقال سنناقش مفهوميّ التربية والرعاية، ونوضّح الفرق بينهما مع ذكر أبرز أساليب التربية الواعية.

مفهوم رعاية الأطفال

يُقصد برعاية الأطفال توفير الظروف الملائمة التي تضمن للطفل التمتع بالتغذية الكافية والصحة الجيدة والتعليم المناسب والأمن والسلامة، وهي تُسهم في تعزيز نمو الأطفال وحمايتهم من العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن افتقار الطفل للعناصر الأساسية المهمة لحياته، والتي تتمثّل فيما يأتي:

  • الصحة الجيدة:
     يتوجّب على الأهل حماية الأطفال من المخاطر التي قد يتعرضون لها في حياتهم اليومية، ومراقبتهم بشكل مستمر للاستجابة لأي ظرف طارئ يتطلب العلاج والدواء، والاعتناء بنظافتهم الشخصية، ووقايتهم من الأمراض. 
  • التغذية الكافية:
     يتغذى الطفل في الستة أشهر الأولى من عمره على الحليب بشكل أساسي، ويُفضل أن يكون ذلك من خلال الرضاعة الطبيعية لأن التلامس الجسدي بين الأم والطفل يؤثر بشكل إيجابي على الطفل والأم، ثمّ يُصبح بحاجة لنظام غذائي متكامل يتضمّن عناصر غذائية وفيتامينات متنوعة، وأي إخلال بها قد يؤثر على نمو الطفل. 
  • الاستجابة:
     تتمثل في ملاحظة حركات الطفل والاستجابة لها، والتي قد تعبر عن حاجة الطفل للغذاء أو شعوره بالألم أو رغبته بالتواصل والتعلم والضحك. 
  • التعلم المبكر:
     تبدأ رحلة الإنسان بالتعلم منذ أن يكون جنينًا في رحم أمه عبر استجابته للمؤثرات الخارجية، ثمّ تستمر بعد الولادة من خلال تفاعله مع البيئة المحيطة عن طريق اللعب والتواصل البصري وتعلم الكلام والمشي والتقليد وغير ذلك، وينبغي للأهل تنمية مهارات الأطفال وتشجيعهم على التعلم والاستكشاف وتهيئة الظروف الملائمة لهم في جميع المراحل. 
  • الأمن والسلامة:
     تشتمل على توفير البيئة النظيفة والآمنة التي يمكن للطفل أن يلعب فيها ويستكشف عالمه بسلام من غير خوف أو قلق. 

مفهوم التربية الواعية

حتى تتمكن من تربية أطفالك بطريقة واعية عليك أن تبدأ بفهم نفسك وإدراك دوافعك النفسية ومعالجة أي خلل في شخصيتك، فالأهل هم البذرة التي تنغرس في نفس الطفل وتنمو لتبني شخصية الطفل المتكاملة. وتقوم التربية الواعية في أساسها على تقديم الحب غير المشروط للطفل، وهذا لا يعني إهمال الطفل أو عدم الاهتمام بسلوكياته، بل هي طريقة علمية حديثة تعتمد على تدريب الطفل على أن يكون النسخة الأفضل من نفسه، فيحسن سلوكياته ويبني شخصيته السوية دون اللجوء إلى مبدأ الثواب والعقاب. 

 

فالمراد من التربية الواعية هو تدريب الطفل على بناء شخصيته بنفسه حتى يبقى أثر ذلك عليه على المدى البعيد، فالتربية الواعية منهج حياة يقوم على تعليم الطفل التفريق بين الصواب والخطأ واتخاذ القرار الصحيح بنفسه ليفعله وهو مُقتنع فيه لا هروبًا من العقاب أو رغبة في الثواب، وهذا سيفيده في المستقبل. 

الفرق بين الرعاية والتربية

قبل التطرق للحديث عن الفرق بين الرعاية والتربية عليك أن تعلم أن كليهما مهم جدًا وأساسي في تنشئة الطفل، وأنهما لا يتعارضان من حيث المعنى، فالرعاية هي تلبية الاحتياجات الأساسية التي لا يصحّ نمو الطفل بدونها من الناحية الفسيولوجية، في حين تهتم التربية الواعية بتطوير الجوانب العاطفية والنفسية والاجتماعية في حياة الطفل.

ويمكننا القول إن الرعاية هي القاعدة الأساسية للطفل التي تضمن له حياة صحية متينة، لتأتي التربية الواعية فتبني على هذا الأساس الثابت وتُنشئ الطفل بطريقة تدعم نموه الشخصي على المدى البعيد؛ فهي تركز على احترام الطفل وتقبله والاستماع له والتحاور معه وبناء شخصيته المستقلة وتمكينه من اتخاذ القرارات بنفسه بدون تأثير خارجي، بالإضافة إلى بناء القيم الإيجابية ومساعدته على تجاوز التحديات والمصاعب. 

أساسيات التربية الواعية

تستند التربية الواعية إلى مجموعة من الأسس وهي كما يأتي: 

  • فهم الدوافع النفسية الموجودة في دواخلنا:
     في نفس كل إنسان آثار للتجارب التي مرّ فيها خلال حياته، وقد يؤثر ذلك في تعامله مع أطفاله، لهذا ينبغي للشخص أن يتفهّم نفسه ويُعالج الندبات الموجودة في داخله قبل أي شيء. 
  • فهم الطفل وإدراك رغباته:
     إذا أظهر الطفل اهتمامًا بأمر معين ينبغي للأهل أن يفكّروا فيه من منظور الطفل ليتمكنوا من معرفة مدى أهميته بالنسبة إليه، وما إذا كان من الممكن منحه إياه أو اقتراح بديل عنه. 
  • التعاطف مع الطفل:
     ويكون من خلال تفهم مشاعره والأسباب المؤدية للسلوكيات التي صدرت عنه، فقد يكون غضب الطفل ناتجًا عن حالة نفسية خاصة أو قلق من الاختبارات المدرسية أو غير ذلك. 
  • تفهم الطفل:
     ويتمثل في مراعاة الطفل وفهم السلوكيات المناسبة لعمره وظروفه الصحية والنفسية، فإذا بكى الطفل ذو العامين بشدة ورمى نفسه على الأرض لأنه يُريد حلوى معينة فهذا أمر طبيعي بالنسبة لعمره لأنّ قدرته على التعامل مع عواطفه محدودة. 
  • الابتعاد عن أسلوب الأمر:
     عندما يريد الأهل طلب شيء معين من الطفل يُفضل أن يكون ذلك باستخدام أسلوب الاقتراح، فلا تقل لطفلك مثلا: “عليك أن تنهي واجبك المدرسي”، قل له: “ما رأيك أن تُنهي واجبك المدرسي حتى يسهل عليك فهم الدرس وتذكره فيما بعد”. 

لا تقتصر مهمة الأهل في تنشئة أطفالهم على تلبية احتياجاتهم الفسيولوجية، بل عليهم أن ينظروا إلى مدى أبعد؛ فيعملوا على بناء شخصيات أطفالهم، وتعزيز شعورهم بالاستقلالية والثقة بالنفس، ومُساعدتهم على مواجهة التحديات.