طفلي يسرق! الأسباب النفسية لسلوك السرقة عند الأطفال وطرق معالجتها

23 فبراير 2025 | وقت القراءة : خمسة دقائق

ابني يسرق النقود من البيت! هل هذا يعني أني فشلت بتربيته؟ قد تشعر بالحيرة والقلق حول سلوك طفلك، وتطرح تساؤلات عدة حول السبب الكامن وراء سلوكه. هل هو غريزة سيئة؟ أم أنَّ هناك أسباباً أعمق تدفعه للقيام بذلك؟ في هذا المقال، سنتناول سلوك السرقة عند الأطفال من منظور علم النفس، ونعرض لك أسباب هذا السلوك وطرق تربوية فعالة لعلاجه.

السرقة عند الأطفال في علم النفس 

هل سبق أن عاد طفلك إلى المنزل حاملاً لعبة ليست له؟ ربما شعرت بالارتباك، وربما راودتك تساؤلات: “لماذا أخذ طفلي شيئًا لا يملكه؟ هل أخطأت في تربيته؟ هل هو بحاجة لشيء لم أُلَبِّه له؟” تصرفات مثل هذه غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه، فالأطفال لا يسرقون لأنهم سيئون، بل لأنهم يحاولون التعبير عن مشاعر أو تلبية احتياجات قد لا يستطيعون شرحها.

في علم النفس، يُفهم هذا السلوك بناءً على مراحل النمو؛ حيث إنّ الأطفال تحت سن الثالثة، على سبيل المثال، لا يدركون مفهوم الملكية أصلاً، وبالتالي فإنّ أخذهم للأشياء لا يكون سرقة بقدر ما هو طريقة لفهم العالم من حولهم، ثمّ بين سن الثالثة والسابعة يبدأ مفهوم الملكية الذي يتلخّص بعبارة “هذا لي” بالتبلور، إلا أنّ الخوف من العقاب أو الرغبة في شيء بشدة قد يدفع الطفل إلى أخذ ما لا يخصه.

وفي السنوات بين السادسة والثانية عشرة، تكون السرقة غالبًا وسيلة لاختبار الحدود أو الاستجابة لضغط اجتماعي، حيث يبدأ الطفل في فهم القواعد لكنه قد يكسرها ليبحث عن مكانته بين أصدقائه. أما المراهقون، فقد يرتبط الأمر لديهم برغبة في التمرد، أو تعويض النقص في تقدير الذات.

عوامل تزيد من ميل الأطفال للسرقة

تشير الدراسات إلى أنَّ السرقة وما يتعلّق بها من سلوكيات خاطئة غالبًا ما تكون مرتبطة بتجارب نفسية أو اجتماعية يعيشها الطفل، وليس مجرد انحراف أخلاقي، وقد أظهر أحد الأبحاث أنّ الأطفال الذين يعانون من نقص في الانتباه أو الدعم العاطفي يكونون أكثر عرضة للقيام بسلوكيات مثل السرقة كوسيلة للبحث عن الاهتمام أو التقدير.

ومن ناحية أخرى، الطفل المحروم من عطف الأهل لسبب ما، مثل فقد الوالدين، قد يلجأ للحصول على ود من حوله وجذب انتباههم بانتهاج سلوكيات خاطئة، كما أنّ بعض الأطفال يعتادون على السرقة لتلبية احتياجاتهم الفعلية (كالمَأكل والملبس) بسبب فقد المُعيل أو ما شابه، لهذا ينبغي مراعاة ظروف الطفل وخلفيته النفسية والع٠ائلية قبل البدء بمعالجة السلوك.

أسباب السرقة عند الأطفال

لا بدّ أنّك ستشعر بالقلق إذا لاحظت أن طفلك يسرق، لكن هل فكرت يومًا أن وراء هذا السلوك قد تكمن مشاعر أو احتياجات عميقة؟ تعرّف إلى أبرز الأسباب التي تدفع الأطفال للسرقة:

  • الجهل: كما ذكرنا، الأطفال في المراحل العمرية المبكرة لا يدركون تمامًا مفهوم الملكية، وبالتالي فهم يواجهون صعوبة في التمييز بين ما يخصهم وما يخص الآخرين، مما يجعلهم يأخذون الأشياء دون وعي بأنها سرقة.
  • الإغراء: عندما تكون الأشياء مغرية ومتاحة، قد يجد الطفل صعوبة في مقاومتها، إذ إنّ الجزء المسؤول عن ضبط النفس في الدماغ، وهو الفص الجبهي، لا يكتمل تطوره بالكامل إلا في أواخر فترة المراهقة.
  • جذب الانتباه: الأطفال الذين يعانون من نقص في التواصل العاطفي مع والديهم قد يستخدمون سلوكيات مثل السرقة كطريقة غير واعية للفت الانتباه إلى احتياجاتهم.
  • الانتقام أو الغضب: الأطفال الذين يشعرون بالتفرقة في المعاملة داخل الأسرة قد يلجؤون إلى السرقة كوسيلة لتعويض هذا الشعور أو “تحقيق المساواة”.
  • الإثارة: الأطفال الذين يبحثون عن الإثارة بسبب فراغ أو نقص في النشاطات الترفيهية يميلون إلى الانخراط في تصرفات محفوفة بالمخاطر، منها السرقة.
  • اضطرابات التحكم في الاندفاع: الأطفال الذين يعانون من اضطرابات مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD) قد يجدون صعوبة في كبح رغباتهم الآنية، ومنها الرغبة في أخذ أشياء ليست ملكهم.
  • ضغط الأقران: الأطفال الذين يحاولون كسب القبول ضمن مجموعة من الأقران يكونون أكثر عرضة لتقليد سلوكياتهم، بما في ذلك السلوكيات السلبية مثل السرقة.
  • التعامل مع التوتر أو الصدمة: الأطفال الذين تعرضوا لصدمات نفسية، مثل انفصال الوالدين، أو الانتقال من المنطقة أو المدرسة، يُظهرون ميلًا أكبر لتطوير سلوكيات غير مقبولة اجتماعيًا، مثل السرقة.
  • الطبقية المادية: في مجتمع يُقيّم النجاح بناءً على الممتلكات المادية، قد يسرق الطفل بدافع الرغبة في الحصول على ما يملكه الآخرون، أو ليشعر أنّ أقرانه الأغنى منه ليسوا أفضل.

تعزيز الأمانة ومنع سلوك السرقة عند الأطفال

تبدأ الوقاية من سلوك السرقة من خلال توفير بيئة آمنة وداعمة؛ فعندما يشعر الطفل بالأمان والحب في المنزل، يصبح لديه أساس قوي من الثقة بالنفس، مما يقلل من احتمالية لجوئه إلى التصرفات السلبية. إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون قدوة حسنة لطفلك حتى تعزز قدرته على فهم قيمة الأمانة بشكل طبيعي، لأنّ الأطفال يتعلمون من ملاحظة سلوك الأهل أكثر من استماعهم للكلمات.

من المهم أيضًا أن تُعلم طفلك قيمة الأمانة والنزاهة منذ سن مبكرة، ويُمكنك الاستعانة بالقصص المناسبة لعمره لتوضيح هذه القيم بطريقة ممتعة وشيقة. كما أنّ تعليم الطفل قيمة المال وكيفية كسبه وإنفاقه بطريقة مسؤولة يعد خطوة وقائية مهمة، ويكون ذلك من خلال إعطائه الفرصة للتخطيط لمشترياته الصغيرة، وتعليمه أهمية الادخار وكيفية تحقيق رغباته بطرق سليمة.

وأخيرًا، إذا كنت تشك في أن طفلك قد يسعى لجذب الانتباه، حاول أن تمنحه مزيدًا من الاهتمام الإيجابي من خلال اللعب أو الحوار؛ فهذا سيمنعه من التفكير في استخدام أساليب خاطئة للفت الأنظار، وضع حدودًا وعواقب واضحة ومفهومة حول ما هو مقبول وغير مقبول من السلوكيات، مع التأكيد على أن السرقة سلوك غير مسموح به، وقُم بالثناء عليه عند التصرف بصدق وأمانة بأساليب بسيطة مثل الشكر أو الابتسامة أو الاهتمام.

كيف أتعامل مع طفل يسرق ويكذب؟

علاج السرقة عند الأطفال يتطلّب منك صبرًا ووعيًا بحقيقة المشكلة وأسبابها، ويُمكن للأساليب الآتية أن تُساعدك في هذا الصدد:

  • تقييم أسباب السلوك: حاول فهم الدوافع التي تقف وراء تصرفاته، مثل الشعور بالإهمال أو الغضب أو حتى الفضول، فهذا سيُساعدك في تحديد الطريقة المناسبة للتعامل مع المشكلة.
  • التأكد من إشباع الطفل: لا يُقصد بذلك إشباع الطفل من الناحية المادية فحسب، وإنّما من الناحية النفسية أيضًا. حاول أن تُشعر طفلك بأنّك تُقدّم له ما يحتاجه وفقًا لقدرتك، وأنّك لا تبخل عليه بشيء.
  • تصحيح الخطأ بشكل إيجابي: بدلاً من اللجوء إلى العقاب القاسي، شجع الطفل على إعادة الشيء المسروق والاعتذار عن فعلته، لأنّ ذلك يعلمه تحمل مسؤولية أفعاله دون أن يشعر بالخزي أو العجز.
  • عدم التهاون: لا تتهاون مع سلوك السرقة عند الطفل، خاصةً إذا كان الطفل كبيرًا أو كرر سلوك السرقة، لكن احرص على أن يكون ذلك في سياق التوجيه لا القسوة، وطبّق العواقب المتفق عليها دون مُغالاة.
  • تجنب العقاب والمحاضرات: لا تصف طفلك باللص أو السيء، وحافظ على هدوئك وتوازنك أمامه، واعمل على إصلاح الطفل دون تخويفه أو تهديده بالعقاب، ليكون السلوك نابعًا من نفسه.
  • لا تُكافئ طفلك على الأمانة: يجب أن يكون سلوك الأمانة جزءًا لا يتجزأ من حياة الطفل، ومكافأتك عليه قد تُشعر الطفل أنّها إضافة يفعلها فقط لينال المُكافأة، وبالتالي ستختل لديه موازين القيم، لكن لا بأس في الثناء البسيط.
  • التعامل مع المشاعر المؤلمة: إذا كانت السرقة تعبيرًا عن مشاعر سلبية مثل الغضب أو الإحباط، من المهم أن تساعد الطفل على التعبير عن مشاعره بطريقة صحية.
  • التفرقة بين الطفل وسلوكه: تجنب نقد شخصية الطفل، ووجه النقد إلى سلوكه بشكل محدد، حتى لا يشعر الطفل بأنّ الخطأ متأصل فيه.
  • التعامل مع الإغراءات: تحدث مع الطفل حول كيفية التعامل مع الإغراءات التي قد يواجهها، وأخبره أنه يستطيع دائمًا أن يطلب ما يحتاجه منك بدلًا من أخذ الأشياء دون إذن.
  • عدم تكرار العقاب أو اللوم: بمجرد معالجة السلوك، لا تُكرر الحديث عن المشكلة.
  • ركّز على القيم والأخلاق: أخبر طفلك عن أهمية الأمانة، وأنّ الرسول -صلى الله عليه وسلّم- عُرف بالصادق الأمين لهذا أحبه الناس واصطفاه الله، وعلّمه قيم أخلاقية مرتبطة مثل القناعة واحترام الغير وعدم الاعتداء عليهم.
  • طلب المساعدة عند الضرورة: إذا استمر سلوك السرقة أو كان مصحوبًا بمشاكل أخرى مثل الكذب أو الانعزال، لا تتردد في طلب مساعدة مختص نفسي.

لا تدع سلوك السرقة يمر دون معالجة، بل قدم لطفلك الدعم العاطفي، وكُن قدوة حسنة له، وعالج الموقف بحكمة ورعاية، فبالاستعانة بالأساليب التي بيّناها لك ستتمكّن من بناء صفة الأمانة بصورتها المتأصلة في شخصية طفلك.