الطلاق ليس النهاية: كيف تحافظ على استقرار طفلك النفسي بعد الانفصال؟

23 فبراير 2025 | وقت القراءة : خمسة دقائق

تخيل عالم طفلك الصغير يتحول فجأة رأسًا على عقب بسبب الطلاق، كيف سيُؤثر هذا الحدث على نفسيته وسلوكه؟ وما هي الأدوات التي يمكن للأهل استخدامها لمساعدة أطفالهم على تجاوز هذه المرحلة الصعبة؟ وهل هُناك فعلًا طلاق ناجح بلا تأثير على الأطفال؟ في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل الآثار النفسية للطلاق على الأطفال، ونقدم لك دليلًا شاملًا لمساعدتك على دعم طفلك وتوفير بيئة آمنة ومستقرة له.

كيف يؤثر الطلاق على نفسية الطفل؟

عندما يمر الطفل بتجربة الطلاق بين والديه، فإنّه يُواجه طيفًا واسعًا من المشاعر التي قد تكون مربكة وثقيلة؛ فقد يشعر بالحزن على فقدان الاستقرار الذي اعتاد عليه، والغضب تجاه التغيير القسري في حياته، والقلق مما قد يحمله المستقبل، خاصةً إذا لم يكن لديه تصور واضح عن كيفية تأثير الطلاق على حياته اليومية. وفي بعض الأحيان، يُظهر الطفل شعورًا بالذنب؛ ففي مراحل الطفولة المبكرة يُركز الطفل على نفسه أكثر من أي شيء، وهذا يدفعه للتفكير بأنّ كل ما يجري حوله هو السبب فيه، الأمر الذي قد يتركه محملًا بعبء نفسي يدفعه نحو القلق أو الاكتئاب.

ولا تتوقف مشاكل الأطفال النفسية بعد الطلاق عند هذا الحد؛ فالخوف من الهجر والوحدة قد يُسيطر على الأطفال في سن المدرسة، حيث يساورهم شعور بأنَّ الطلاق لم يُفَرِّق بين الوالدين فحسب، بل امتد ليشملهم أيضًا. وفي مراحل عمرية أخرى، يمكن أن يتسلل فقدان الثقة في مؤسسة الزواج والأسرة إلى نفوسهم، مما يترك أثرًا على طريقة نظرهم للعلاقات العاطفية في المستقبل.

من المهم أن تدركوا كأهل أنَّ تأثير الطلاق على الأطفال قد لا يكون محدودًا بفترة الطفولة، بل يمتد ليؤثر عليهم في مرحلة البلوغ، سواء من حيث صحتهم النفسية، أو علاقاتهم الاجتماعية، أو حتى استقرارهم الاقتصادي؛ فقد أظهرت دراسات عديدة أنَّ الأطفال الذين ينشأون في أجواء مليئة بالصراعات أو يشهدون تفكك الأسرة دون توفير دعم عاطفي كافٍ يعانون من تدني الثقة بالنفس واحترام الذات.

كيف يؤثر انفصال الوالدين على سلوك الطفل؟

يواجه الأطفال في كثير من الأحيان مشاكل عاطفية وسلوكية ملحوظة عند انفصال الوالدين، وهو أمر يتطلب من الأهل تفهّمًا ودعمًا مستمرَّيْن. إليكم أبرز هذه المشكلات:

  • تراجع في الأداء الأكاديمي: قد يعاني الطفل من صعوبة في التركيز أثناء الدراسة أو متابعة مهامه المدرسية بسبب التوتر الذي يشغل تفكيره، مما يؤثر على قدرته على التعلّم.
  • فقدان الاهتمام بالأنشطة الاجتماعية: قد يُفَضّل الطفل الانعزال أو الابتعاد عن أصدقائه تعبيرًا عن شعوره بعدم الأمان أو الحزن.
  • صعوبة التكيف مع التغيير: الانتقال إلى منزل جديد أو تغيير المدرسة قد يبدو أمرًا بسيطًا للبالغين، لكنه تحدٍ كبير للأطفال.
  • الغضب والتهيج: قد يغضب الطفل لأبسط الأسباب، خاصةً إذا لم يتمكّن الطفل من التعبير عن مشاعره بطرق صحية.
  • السلوك التخريبي: قد يلجأ بعض الأطفال إلى التصرفات المدمّرة كوسيلة للتعبير عن الغضب أو الإحباط.
  • المشاكل الصحية: التوتر الناتج عن الطلاق قد يُضعف جهاز المناعة لدى الأطفال، مما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض.
  • مشاكل في النوم: اضطرابات النوم مثل الأرق أو الكوابيس شائعة في هذه الظروف، خاصةً مع اختلاف روتينهم اليومي.
  • التبول اللاإرادي: في بعض الحالات، قد يعود الأطفال إلى التبول اللاإرادي نتيجة التوتر.

كيف أفاتح طفلي بالانفصال؟

عند الحديث مع طفلك عن الانفصال، ركِّز على الوضوح والبساطة مراعيًا عمره الصغير، وتجنب التفاصيل المعقدة التي قد تربكه، واستخدم لغة هادئة ومطمئنة مؤكّدًا أنَّ الانفصال قرار مشترك بين الوالدين وليس بسبب خطأ منه. ومن المهم أيضًا أن تُطمئن طفلك إلى حبكما غير المشروط له، وأنكما ستستمران في رعايته، واستخدم عبارات مثل: “سنظل دائمًا إلى جانبك ونحبك مهما حدث”. 

كما عليك أن تتجنب إلقاء اللوم على الطرف الآخر، وأن تحرص على إبقاء المحادثة إيجابية تركز على احتياجات الطفل، وكن مستعدًا للاستماع إلى مخاوفه والإجابة عن أسئلته بصبر وصدق؛ فقد يطرح أسئلة متعلّقة بتفاصيل حياته اليومية، مثل مكان إقامته أو الوقت الذي سيقضيه مع كل منكما. وفي حال شعرت بأنّك غير قادر على القيام بهذه المهمة بنفسك يُمكنك الاستعانة بشخص من العائلة يثق   به الطفل.

ومن الجدير بالذكر أنّ الدراسات تُظهر أن الأطفال يتكيفون بشكل أفضل مع الانفصال عندما يشعرون بالدعم العاطفي المستمر والحب من كلا الوالدين، لهذا ينبغي لك أن تتفهّم مشاعر أطفالك وتُظهر تعاطفك معهم في كُلِّ حديثك، وأن تكون مُستعدًا لإعادة التأكيد على هذه الرسائل والإجابة عن أسئلة طفلك المتجددة كلما دعت الحاجة لذلك.

طرق عملية للتعامل مع الأطفال بعد الطلاق

لا يُعد الانفصال تحديًا للأهل بقدر ما هو تحدٍ للأطفال، لهذا فإنّ احتواء الأطفال بعد الطلاق، وخلق بيئة تسهم في شعورهم بالأمان من الأمور الحاسمة لتنشئتهم بشكل صحي. وإليكم بعض النصائح العملية:

  • حاول أن تُبقي المنزل مكانًا مليئًا بالحب والدعم، وأظهِر أنك وشريكك السابق موجودان دائمًا من أجل الطفل مهما حدث.
  • حافظ على نفس الروتين؛ إذ إنّ الأنشطة المنتظمة، مثل مواعيد النوم وتناول الطعام، تساعد الطفل على الشعور بالاستقرار في ظل التغيرات.
  • خصص لحظات يومية للعب أو القراءة، أو حتى الحديث العفوي الذي يعزز شعور الطفل بأنه محور اهتمامك.
  • استمع إلى طفلك باهتمام، وشجعه على التعبير عن مخاوفه وأفراحه وأحزانه دون خجل، واحرص على طمأنته أن جميع مشاعره مقبولة.
  • لا تستخدم طفلك كوسيلة لنقل الرسائل أو كأداة للضغط على الطرف الآخر، لتجنّبه الاضطرابات العاطفية طويلة الأمد.
  • اجعل مصلحة طفلك أولوية مهما حدث، فالتنسيق بشأن القرارات الكبيرة والصغيرة مع الوالد الآخر يعطي الطفل إحساسًا بأنّكما تعملان كفريق من أجله.

التربية المشتركة: كيف تنجح رغم التحديات؟

صحيح أن الطلاق يضع أمام الأهل تحدّيات كبيرة، إلا أنّه يخلق فرصة لإعادة بناء العلاقة بينهما على أسس جديدة تضع مصلحة الطفل أولًا، وإليك أساسيات هذه العلاقة:

  • فصل العلاقة الزوجية عن الأبوة المشتركة.
  • التواصل الفعّال المبني على الاحترام المتبادل بهدف تلبية احتياجات الأطفال.
  • تنظيم اجتماعات دورية، حتى لو كانت افتراضية، لمناقشة كل ما يخص الطفل.
  • وضع قواعد موحّدة وواضحة، تشمل أوقات النوم والواجبات وغير ذلك، حتى لا يشعر الطفل بانعدام الاستقرار.
  • التعامل مع الخلافات بحكمة وروية دون التطرّق للنزاعات.
  • التحلي بالمرونة والتسامح، ولا بأس بتقديم بعض التنازلات إذا كان الأمر يصب في مصلحة الأطفال.
  • الابتعاد عن التنافس على حب الطفل.
  • شجع طفلكما على بناء علاقة صحية ومتوازنة مع الوالد الآخر.

كيف تدعم أطفالك وتُساعدهم على التأقلم بعد الطلاق

يواجه الطفل بعد الطلاق تجربة عاطفية قد تكون مربكة ومليئة بالتساؤلات، وهنا يأتي دور الأهل في تقديم الدعم العاطفي ومشاركة المشاعر معه بطريقة تُشعره بالأمان، وتشجيعه على التعبير عن آرائه بحرية دون إصدار الأحكام.

ومن الأمور التي تدعم استقرار الطفل أيضًا، استمراره في ممارسة روتينه اليومي السابق بقدر المستطاع؛ فالروتين يخلق شعورًا بالأمان، كما أن ممارسة الطفل لأنشطته اليومية وعلاقاته الاجتماعية يساعده على الشعور بالانتماء والثبات.

ذكّر طفلك أنه ليس وحيدًا، وأوضح له أن العديد من الأطفال يمرون بتجارب مشابهة ويتعلمون التكيف معها، واحرص على التركيز على الإيجابيات مثل بيئة منزلية أكثر هدوءًا، أو وقت مميز يقضيه مع كل والد على حدة، واسمح له بالمشاركة في اتخاذ قرارات صغيرة، واجعلوا قنوات التواصل بينكم مفتوحة دائمًا؛ ليشعر أنكم مرجعه الآمن دائمًا.

وأخيرًا، إذا شعرتم أن طفلكم يُعاني من صعوبة في التأقلم، فلا تترددوا في طلب المساعدة من أخصائي نفسي أو مستشار يمكنه تقديم الدعم اللازم.