الحدود ليست عقابًا! وضع الحدود للأم مع أطفالها يُحقق التوازن الأسري

30 سبتمبر 2024 | وقت القراءة : خمسة دقائق

هل تشعرين بأنّك تفقدين السيطرة أحيانًا مع أطفالك؟ وهل يترافق ذلك مع الإحساس بالذنب أو التقصير تجاههم أو تجاه نفسك؟ أحد أهم الأسباب المؤدية لذلك هو انعدام الحدود أو ضعفها، فقد وجدت الأبحاث أنّ وضع الحدود للأم مع أطفالها يجعل الأطفال أكثر هدوءًا وشعورًا بالأمان، بالإضافة إلى أنه يمنحهم القدرة على التصرف بطريقة سليمة والتحكم في أنفسهم ومشاعرهم.  

فوائد وضع الحدود للأم مع أطفالها

هل تخشين من تقييد طفلك بالحدود؟ هل تشعرين أن قول “لا” لطفلك أمر صعب؟ تَعَرَّفي إلى فوائد الحدود الآتية وارسمي مستقبل أسرتك بنفسك:

  • تقليل الصراعات وتعزيز الحوار المفتوح:
    تساهم الحدود الواضحة في الحد من الخلافات وتعزيز التواصل مع الطفل، مما يخلق بيئة أكثر استقرارًا.
  • انخفاض التوتر:
    عندما لا تكون الأم في حالة ضغط دائمة، تصبح أقدر على توفير بيئة أكثر رعاية ودعماً لأطفالها، مما يعزز صحة الأم النفسية والجسدية.
  • تعزيز احترام الذات:
    وضع الحدود والالتزام بها يمنح الأم شعورًا أكبر بالسيطرة على حياتها ويعزز احترامها لذاتها، فتكون بذلك قدوة حسنة لأطفالها. 
  • تقليل الغضب:
    عندما تضع الأم حدودها وتلتزم بها مع أطفالها، فإنّ ذلك يُقلل من مشاعر الاستياء أو الغضب تجاه الأطفال والآخرين عمومًا.
  • زيادة الوضوح بشأن التوقعات المتبادلة:
    هذا الوضوح يعزز التفاهم ويقلل من سوء الفهم أو الوقوع في الأخطاء والهفوات، مما يسهم في تكوين حياة أسرية أكثر تناغمًا واستقرارًا.
  • تبسيط مسؤوليات الأمومة:
    وذلك من خلال الحفاظ على نهج متسق في التعامل مع الأطفال، مما يسهل الحياة اليومية للأم وللأسرة بأكملها.
  • احترام الطفل للأم والعكس:
    عندما يعرف كل فرد في الأسرة حدوده ومسؤولياته، فإنّهم يتعلمون احترام بعضهم البعض.
  • تنمية شخصية الأطفال:
    وذلك من خلال مساعدة الأطفال على تطوير مهارات حل المشكلات والتعامل مع الإحباط، بالإضافة إلى تعزيز إحساسهم بالمسؤولية والاستقلالية.

استراتيجية وضع الحدود للأطفال

لعلّك تعلمت الآن أنّ وضع الحدود والقواعد هي طريقة التعامل المثلى مع الأطفال، فمن خلالها يُمكنكِ أن تهنئي بحياة هادئة مع أطفالك بعيدًا عن الخلافات والمشكلات غير الضرورية. وإليكِ أهم الاستراتيجيات التي عليكِ اتباعها عند وضع الحدود والقواعد لأطفالك:

طريقة وضع الحدود وتطبيقها

عليكِ أن تُعدّي قائمة بالحدود المُناسبة لأطفالك، وهذا يعني أنك لا تحتاجين لوضع حدود أو شروط لكلّ شيء في حياة الطفل بل الأمور المهمة فقط، على أن تتناسب القواعد التي تضعينها مع أعمار أطفالك، فلا تطلبي من طفلك ذي الأربعة أعوام أن يغسل الصحون على سبيل المثال. 

ومن المهم أيضا أن تستخدمي نظام التذكير والتحذير، فإذا اقترب الطفل من إنهاء وقت الشاشة المسموح به أخبريه بذلك قبل 10 دقائق مثلًا. وإذا خالف الطفل الحدود ستحتاجين إلى تطبيق العواقب المتفق عليها، على أن لا تكون هذه العواقب موضوعة لمعاقبة الطفل بشكل مباشر لأنّ هناك بدائل أكثر فعالية، كأن تتجاهلي الطفل تمامًا عندما يتصرف بشكل سيئ، أو تحرميه من الامتيازات.

كيفية إصدار الطلبات

حتى تتمكني من إصدار الأوامر بشكل صحيح وتضمني فهم طفلك لها عليك الالتزام بما يأتي:

  • لا ترفعي صوتك أو تصرخي أثناء الحديث، وتكلمي بنبرة هادئة تعبر عن اتزانك.
  • تأكدي من أن طفلك ينظر إليك عندما تتحدثين إليه.
  • تأكدي من فهم طفلك لما طلبته منه، وذلك بسؤاله عن ذلك مباشرة وإعادة الشرح بأسلوب مبسط إذا لم يفهم. 
  • أعطي أمرًا واحدًا في كلّ مرة حتى لا يتشتت الطفل.
  • اجعلي الطلب بطريقة الإيجاب لا النفي، فلا تقولي لطفلك: “لا تصرخ”، وقولي له: “تحدث بصوت هادئ”.

أسلوب الدعم والتشجيع

عندما يتصرف طفلك بالطريقة التي طلبتِها منه قُومي بدعمه وتشجيعه، حيث يُمكنك مثلًا أن تُخبريه أنكم ستخرجون في نزهة لأنّه يحسن التصرف دائمًا. وإذا رأيتِ طفلك يفعل شيئًا خاطئًا اقترحي عليه نشاطًا آخر يقوم به، وشاركيه فيه إذا أمكن ذلك.

مساعدة الطفل على الالتزام بالحدود

قدرات الطفل محدودة، لهذا فإنّه يحتاج منك دعمًا دائمًا ليتمكن من تطبيق القواعد والحدود، وإليكِ بعض الممارسات التي ستساعدك في ذلك:

  • كُوني قدوة لأطفالك:
    تذكري أنّك مرآة لطفلك، لهذا عليك أن تبدئي بنفسك وتلتزمي بالمسؤوليات المُلقاة على عاتقك.
  • تجنبي المشكلات قدر المستطاع:
    تجاهلي طفلك عندما يتذمر أو يغضب أو يُحاول إقناعك بتغيير القواعد، وحاولي ألّا تدخلي معه في جدال بشأن القواعد أو تعلقي عليه بشكل سلبي عندما لا يُنجز المطلوب منه بطريقة صحيحة تمامًا، وحاولي مساعدته بشكل آخر.
  • تعاملي بوعي مع انفعالاتك:
    إذا شعرتِ بالغضب أو الاستياء من سلوكيات أطفالك حاولي ألّا تدعيهم يلاحظون ذلك، واخرجي لمدة عشر دقائق حتى تهدئي ثم عودي لتضعي الأمور في نصابها.

كيف يؤثر وضع الحدود على الأطفال

تساهم الحدود في تربية الأطفال على الانضباط الذاتي، الأمر الذي يؤهلهم لتحمل مسؤولية أفعالهم وفهم تأثير تلك الأفعال على الآخرين، وهذا لا يتنافى مع تلبية احتياجات الطفل العاطفية بشكل كامل، فالحدود لا تكون في المشاعر والاهتمام والدعم، وإنّما بالسلوكيات اليومية، فالأطفال الذين لا يتم وضعهم ضمن إطار حدود وقواعد معيّنة يظهرون سلوكيات قاسية وغير مبالية تجاه الآخرين، وقد يرفضون تحمل مسؤولية أفعالهم، مما يؤدي إلى تصرفات عدوانية أو لا مبالية.

من ناحية أخرى، يفقد الأطفال الذين ينشؤون في بيئة استبدادية صارمة الثقة في قدرتهم على اتخاذ القرارات ويشعرون بالخوف من التعبير عن أفكارهم، مما يؤثر على احترامهم لذاتهم وقد يؤدي إلى الاكتئاب أو الانسحاب من المجتمع. وبناء على ما سبق، يظهر لنا أنّ وضع حدود واضحة ومعقولة والالتزام بها يُسهم في خلق بيئة مستقرة وآمنة تساعد الأطفال على النمو بشكل صحيّ، فهذا التوازن يسهم في تطوير شخصية الطفل، ويُمَكِّنُه من التعامل مع تحديات الحياة بثقة واحترام للذات وللآخرين.

دور الحدود في التخلص من الشعور بالذنب عند الأمهات

عندما تنظر الأم إلى الأمور التي كانت تتوقع أن تُنجزها مع أطفالها وإلى ما أنجزته بالفعل في ظل المسؤوليات الكبيرة التي تُحيط بها من جميع الجهات فإنّها قد تشعر بالذنب والإحباط، وقد تستمع إلى ذلك الحوار الذي يجري في داخلها ويخبرها بأنّها فاشلة لأنّها لم تتمكن من السيطرة على مجريات الأمور، ولم تتمكن من ضبط أطفالها بالطريقة الصحيحة.

بالاعتماد على الطريقة التقليدية في التربية التي عرفها معظمنا، فإننا نرى التعزيز الإيجابي والسلبي -أي المكافأة والعقاب- هما الأسلوب الأفضل في تقويم سلوكيات الطفل، إلا أنّ هذه الطريقة في الحقيقة كفيلة بأن تُفقد الطفل الثقة بنفسه، وتجعله يعتمد على أهله دائمًا، كما أنّ ذلك يؤدي إلى استنزاف طاقة الأم بشكل يفقدها السيطرة على حياتها، حتى لو ابتعدت عن طفلها ولم تُلبي احتياجاته ستشعر بالذنب.

ومن ناحية أخرى، كثير من الأمهات في عصرنا الحالي عاملات أو لديهن مشاريعهن الخاصة، لهذا فإنّ إيجاد التوازن بين الحياة الشخصية والأسرية أصبح أمرًا لا مفرّ منه، والطريقة المُثلى للتعامل مع الأطفال في هذه الحالة هي وضع الحدود والعواقب التي تنظم حياة العائلة بأكملها.

خلاصة الأمر، تخيلي أسرتك كمجتمع مصغر يحتاج إلى النظام حتى يُسَيِّرَ مصالحه بالشكل الصحيح، وهذا النظام يترجم بلائحة من الحدود التي ينبغي على الجميع الالتزام بها، شريطة ألا تكون الحدود أو العواقب المرافقة لها تعسفية أو صارمة للغاية، وأن يكون في اللائحة فُسحة يتمكن فيها الطفل من الإبداع وإخراج أفضل مواهبه، وأن تُطبق اللائحة على الجميع بمن فيهم الأهل.