بيئة تربوية آمنة: كيف تؤثر أنماط التعلق على سلوكياتنا التربوية؟
8 سبتمبر 2024 | وقت القراءة : خمسة دقائق
سواء كنت مربيًا جيدًا لأطفالك أم لم تكن كذلك، اعلم أن تجاربك السابقة ونوعية التربية التي تلقيتها من أهلك مسبقًا ستنعكس على تربيتك لأطفالك اليوم، فقد أظهرت الدراسات أنّ نمط التعلّق الذي تكوّن لديك في الماضي يُؤثر في سلوكياتك، ويُبرز جوانب مهمة من شخصيتك، إيجابية كانت كالرضا والسعادة أو سلبية كالحزن والقلق. وفي هذا المقال سنتناول الحديث عن أنماط التعلّق وأثرها على تربية الأبناء، بالإضافة إلى مجموعة من النصائح المهمة لتطوير نمط التعلّق الآمن.
أنماط التعلق وأثرها على تربية الأبناء
يؤثر نمط التعلّق الذي كوّنته من تجاربك السابقة في علاقاتك مع الآخرين، خاصةً علاقتك بشريك حياتك وأطفالك، فلعلّك تلاحظ أنّ البعض يُظهرون قلقًا وخوفًا دائمَين من أي تغيير في حياتهم، في حين يتمكن آخرون من بناء علاقات سلسة وآمنة بسهولة.
في الواقع، لا يُمكننا الجزم بالأرقام، فحتى الآن لا توجد دراسة مؤكّدة تُظهر نسبة الأشخاص الذين يتمتّعون بتعلّق آمن، وإن كانت تتراوح على الأغلب بين (50%-66%)، لكن النسبة تتغير تبعًا لعوامل مُختلفة. وعمومًا، توجد أربعة أنماط للتعلّق واحد منها فقط آمن تمامًا، وهي كما يأتي:
التعلق الآمن
يعتمد نمط التعلق الآمن على أربعة عناصر؛ هي الأمان، والهدوء، والرؤية، والسلامة. وعندما يشعر الطفل بهذه العناصر، فإنه يرى مقدم الرعاية قاعدةً آمنة تُمكّنه من استكشاف العالم، وهذا الطفل يمكنه التحرك بحرية لكنّه يرجع لأهله كلّما احتاج ذلك. ولتطوير ارتباط آمن مع طفلك، عليك أن توفّر له بيئة دافئة، وتعمل على تنظيم عواطفه وردود أفعاله لتساعده على تعلم هذه المهارات.
الأهل الذين يشكلون ارتباطًا آمنًا مع أطفالهم يستجيبون لاحتياجاتهم ويتعاطفون مع مشاعرهم، وهذا لا يعني أنّهم لا يرتكبون الأخطاء، فهذا مُستحيل، لكنّهم يصلحون أخطاءهم فورًا ويحافظون على علاقة هادئة مع أطفالهم، وهذا يُساعدهم في تعزيز ثقة طفلهم بأهله وبنفسه.
يحدث التعلق التجنبي عندما يوفّر الأهل لأطفالهم ما يحتاجونه من متطلبات الرعاية لكنّهم يحرمونهم من الجانب الأهم وهو العاطفة، وفي هذه الحالة يُصبح لدى الطفل توجّهٌ لأن يكون أكثر استقلالية، فيتصرّف كأنّه غير مُحتاج للدعم العاطفي، ويُحاول الاعتناء بنفسه من غير طلب المُساعدة.
ومن علامات التعلق التجنبي أيضًا، تجنّب التعبير عن المشاعر وترك مسافة عند التعامل مع الآخرين، وهذا سيصعّب على الطفل مهمة اختيار شريك له مُستقبلًا، كما أنّه سيحاول نسيان طفولته ليُظهر أنّه غير مُهتم بها.
وإنّ الخطوة الأولى للتعامل مع التعلق التجنبي هي الاعتراف به، وبعدها تأتي مرحلة تقبل الذات والتسامح مع النفس ومع الآخرين، وتجنّب جلد الذات، وبناء علاقات صحية آمنة والتواصل مع الآخرين والصبر على ذلك، وإن تطلّب الأمر يمكن الذهاب إلى مُختص نفسي.
التعلق القلق
هذا النوع من التعلّق يتشكّل بسبب اضطراب الأهل وانشغالهم أو غيابهم لفترات طويلة بشكل لا يُمكن تبريره بالنسبة للطفل، فتارةً يكونون إلى جانب أطفالهم يقدّمون لهم الدعم والرعاية والحب وتارةً يتوارون عن الأنظار من غير مبرر، وهذا يسبب للأطفال ارتباكًا ويأسًا ونوعًا من الاستنزاف العاطفي، لأنّهم يرون أنّ الأهل يتقربون منهم إن شعروا هم بحاجة إلى الحب وإلى هذه العلاقة التي تجمعهم بأطفالهم لا ليقدّموا لهم الحبّ والأمان كما هو مُفترض منهم.
ومن المحتمل أن يواجه هؤلاء الأطفال عندما يكبرون صعوبة في الثقة وانعدام الأمان عند التعامل مع الآخرين، لهذا يجب على الأهل ألا يعتمدوا على أطفالهم ويستغلوهم للشعور بالتحسن، وأن يكونوا مدركين للارتباك الذي يسببونه لهم.
ويُمكن علاج نمط التعلق القلق من خلال أساليب متعددة منها ما يأتي:
- ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التأمل والتنفس العميق.
- بناء علاقات اجتماعية صحية وتطوير مهارات التواصل.
- الاهتمام بالذات من خلال أخذ قسط كاف من الراحة وتناول غذاء صحي وغير ذلك.
- طلب الدعم والتشجيع من الآخرين.
- الاستعانة بمختصّ نفسي إن لزم الأمر، وهذا يحدث في حالات قليلة لكنّه أمر طبيعي.
التعلق غير المنظم
ينشأ هذا النمط عندما يكون الأهل مخيفين أو غير مفهومين بالنسبة إلى الطفل، فأحيانًا يكونون لطفاء وأحيانًا أُخرى يدخلون في نوبات من الغضب، وفي هذه الحالة سيشعر الطفل بارتباك شديد وخوف وانعدام الاستقرار، لأنّه يرى أنّه مرتبط بأهله وأنّهم ضروريون في حياته لكنّهم مخيفون. والشخص الذي يشعر بهذا النوع من التعلّق لن يكون مستقرًا وسيواجه العديد من المُشكلات في حياته، خاصة فيما يتعلّق بعلاقاته مع الآخرين.
أهمية توفير الأمان العاطفي للطفل
من المهم أن تكوّن ارتباطًا آمنًا مع طفلك خلال جميع مراحله العمرية لتتمكّن من تحقيق النتائج الآتية:
- تحفيز القدرات المعرفية لدى الطفل، وذلك بسبب شعوره بالأمان والاستقلالية وحرية استكشاف العالم من حوله.
- بناء علاقات صحية وطويلة الأمد، عندما يشعر الطفل بوجوده في بيئة آمنة تسود فيها الثقة والاستقرار سيتمكّن من بناء روابط أكثر استقرارًا مع الآخرين.
- التمتّع بالذكاء العاطفي، وإدارة المواقف التي يتعرّض لها بحكمة.
- التغلّب على الصعاب ومجابهة التحديات بمرونة كبيرة.
- تحسين الأداء الأكاديمي، لأنّه يكون أكثر تحفيزًا وثقة بالنفس.
- الشعور بالقيمة الذاتية، الأمر الذي يعزز ثقته بنفسه.
- الراحة عند الوجود ضمن مجموعات، والانخراط في المجتمع بشكل فعال وسلس.
أهمية توفير الأمان العاطفي للطفل
إليك بعض النصائح التي ستساعدك على بناء رابطة قوية وآمنة مع أطفالك:
- افهم نفسك، وتعرف إلى نمط ارتباطك بأهلك، واعمل بجدّ للتعافي منه إن كنت تُعاني من أحد أساليب التعلّق غير الآمنة حتى لا ينعكس ذلك على تربيتك لأطفالك.
- عزز وجودك الحقيقي إلى جانب طفلك، فلا تنشغل بأيّ شيء وأنت إلى جانبه.
- تواصل مع طفلك واستمع له بشكل مُستمر.
- استجب لاحتياجات طفلك، فإذا الطفل حاول أن تفهم سبب بكائه وتلبي احتياجاته ولا تُهمله.
- عبر عن حبّك لطفلك بجميع الأساليب الممكنة.
- عزز البيئة الإيجابية الداعمة في المنزل.
- ضع الحدود والقواعد في المنزل، فهذا سيساعدك وأطفالك على الانضباط والتركيز في الأمور المهمة فقط.
وفي الختام، مهما كان نمط التعلّق الذي تلقيته من أهلك، عليك أن تسعى جاهدًا لتعزز البيئة الإيجابية الآمنة لأطفالك، وذلك بعد التعافي من كل التجارب السلبية السابقة، وكُن أكثر تسامحًا مع نفسك وأهلك وأطفالك، فهذا سيسهّل عليك الأمر ويُساعدك على أن تُصبح النُسخة الأفضل من نفسك.