هل تعلق الطفل بأمه أمر طبيعي؟ تغلبي على اضطراب قلق الانفصال عند طفلك

1 أكتوبر 2024 | وقت القراءة : خمسة دقائق

كل أم تحلم برابطة متينة وقوية مع طفلها، وتشعر بالسعادة وهي تشاهده ينمو ويتطور بين ذراعيها. لكن، هل فكرتِ يومًا في أن هذا الحب الشديد قد يتحول إلى تحدٍ؟ متى يتحول تعلق الطفل بأمه من أمر طبيعي ومحبب إلى قلق مُزعج؟ هل طفلك يخشى الابتعاد عنكِ ولو للحظة؟ لا تقلقي، نحن هنا لنُجيبكِ عن كل هذه الأسئلة ونُساعدكِ على فهم مشاعر طفلكِ ودعمه.

التعلق الزائد بالأم

هل يبتسم طفلك بمجرد أن يراكِ قادمة؟ هل يهرع إليك ليحظى بالأحضان والقُبَل؟ هذا النوع من الارتباط بينك وبين طفلك هو ما يُعرف عادة بـ “التعلق”. وبشكل عام، التعلق هو نمط من التواصل العاطفي ينشأ بين الأم وطفلها منذ اللحظات الأولى من الحمل ويستمر بعد ذلك، وهو أساسي لبناء ارتباط آمن وسليم مع الطفل، وبالتالي لدعم نموه العقلي والجسدي.

لكن متى يكون تعلق الطفل بأمه غير طبيعي؟ إذا كان الطفل يُصاب بحالة هستيرية من البكاء والصراخ لمجرد ابتعادكِ عنه أو وجودكِ في غرفة أخرى، وهو لا يُعاني من أي مرض، وقد تجاوز السنتين من العمر يكون تعلقه غير طبيعي، فالأطفال من عمر (7-24) شهرًا يُصابون بحالة طبيعية من التعلق، لأنّهم يرَون في أمهاتهم القاعدة الآمنة التي يعودون إليها.

أسباب تعلق الطفل بأمه

يختلف السبب الذي يدفع الطفل للتعلق الزائد بأمه وفقًا لحالته النفسية ووضعه العائلي والصحي، لكن عمومًا نذكر لكِ بعض الأسباب فيما يأتي:

  • مزاج الطفل: الأطفال الانطوائيون أو الحساسون أو العاطفيون يُظهرون تعلقًا بأمّهاتهم.
  • مزاج الأم: يمكن أن يشعر الأطفال بالقلق عند ملاحظة مشاعر التوتر على الأم.
  • البيئة الأسرية: الأطفال الذين ينشؤون في بيئات مليئة بالصراعات من المحتمل أن يعانوا من مستويات عالية من القلق، الأمر الذي يزيد من تمسكهم بأمهاتهم.
  • التغيير المفاجئ: من الصعب على الأطفال أن يتأقلموا بسرعة مع التغيرات المفاجئة؛ مثل الانتقال إلى منزل جديد أو ولادة أخ جديد أو البدء بالدراسة، الأمر الذي يزيد من تمسكهم بأمهاتهم.
  • نمط التربية: تفرض بعض الأمهات إجراءات مفرطة لحماية الطفل والعناية به، الأمر الذي قد يؤدي إلى اعتياد الطفل على التعلق بأمه والاعتماد عليها في كل شيء.
  • التجارب السابقة: إذا مر الطفل بتجربة مثل سفر الأم أو ذهابها إلى المستشفى لعدة أيام قد يُصاب بقلق الانفصال عنها.
  • الحالة الصحية: إذا كان الطفل يُعاني من حالة مرضية معينة فإنّه يرى في أمه الشخص الوحيد القادر على التخفيف من آلامه. 
  • الخوف: إذا كان الطفل يُشاهد محتوى مخيف على الشاشة سيُحاول عدم البقاء وحيدًا، ويُترجم ذلك بتعلقه الزائد بالأم.

اضطراب قلق الانفصال عند الأطفال

يشعر بعض الأطفال بخوف زائد من الضياع أو فقدان أحد أفراد الأسرة أو الابتعاد عنه، وغالبًا ما يكون الأمر متعلقًا بالأم أكثر من أي شخص آخر نظرًا للرابطة القوية بينها وبين طفلها، ويكون هذا القلق طبيعيًا عادة للأطفال حتى عمر ثلاث سنوات، أو حتى للأطفال الكبار إن لم يتجاوز الحدود الطبيعية أو يستمر لمدة طويلة.

أعراض قلق الانفصال عند الأطفال

تختلف أعراض قلق الانفصال من طفل إلى آخر ومن موقف لآخر، لكن قد تظهر بعض العلامات الآتية:

  • رفض قاطع للنوم بمفرده.
  • التعرض لكوابيس متكررة تدور حول الانفصال.
  • الشعور بقلق شديد عند الابتعاد عن المنزل أو الأسرة.
  • قلق مفرط ومبالغ فيه بشأن سلامة أفراد العائلة.
  • الخوف المستمر من الضياع أو الانفصال عن العائلة.
  • الإصرار على عدم الذهاب إلى المدرسة.
  • الخوف والتردد في البقاء وحيدًا.
  • آلام متكررة في المعدة، صداع، أو شكاوى جسدية متكررة أخرى.
  • التوتر العضلي أو الشعور المستمر بآلام في العضلات.
  • قلق زائد حول سلامته الشخصية.
  • الخوف الكبير من النوم خارج المنزل.
  • التشبث الشديد بالوالدين أو مقدمي الرعاية، حتى داخل المنزل.
  • نوبات من الهلع أو الغضب عند الانفصال عن الوالدين أو مقدمي الرعاية.

علاج قلق الانفصال عند الأطفال

هناك العديد من الاستراتيجيات التي تُساعد الأم في التغلب على مشكلة القلق عند الأطفال، لكن يعتمد استخدامها على طبيعة الطفل وعمره وحالته النفسية، ومن هذه الاستراتيجيات ما يأتي:

  • العلاج المعرفي السلوكي: هذا النوع من العلاج يعتمد على مُساعدة الطفل على فهم مخاوفه وتحليلها والتعامل معها بشكل سليم من خلال اتباع استراتيجيات فعالة تعزز مهارة التأقلم وتتغلب على المشاعر السلبية.
  • العلاج الأسري: هذا العلاج يعتمد على أسلوب الحوار والتواصل المفتوح بين الأم والطفل، بحيث تحاول الأم طمأنة طفلها، وتخبره بأنّها ستبقى دائمًا إلى جانبه، وأنّ من الطبيعي أن يشعر بشيء من القلق عند ابتعادها عنه لكنه سيبقى بأمان.
  • الدعم المدرسي: يُمكن للأم الاستعانة بالمعلمة أو المُستشارة التربوية في المدرسة لتفهم حالة الطفل، والتعامل معه بأسلوب يخفف من حدة قلقه ويُشعره بالأمان والاستقرار.
  • التدخل الطبي: إذا كان الطفل يُعاني من قلق مفرط لا يُمكن التعامل معه سيكون من الضروري اللجوء إلى طبيب نفسي أو طبيب مختص في علاج مشكلات الأطفال، ليصف له بعض الأدوية أو يُقدم له نوعًا من العلاج السلوكي الموجه.

تأثير التعلق على الأم والطفل

تشير بعض الدراسات إلى أن الأطفال الذين يواجهون صعوبات في التعلق قد يواجهون مشاكل عاطفية واجتماعية في المستقبل، فوفقًا لنظرية جون بولبي للتعلق، يبني الأطفال روابط عاطفية قوية مع الأم التي توفر لهم الشعور بالأمان والحماية، وهذه الرابطة تلعب دورًا حاسمًا في تطور الطفل العاطفي والاجتماعي والمعرفي، إلا أنّ تأثير القلق الزائد على النمو النفسي والاجتماعي للطفل غالبًا ما يكون سلبيًا خاصةً في الجوانب الآتية:  

  • صعوبات في تكوين علاقات اجتماعية: قد يجد الطفل صعوبة في تكوين الصداقات أو الثقة بالآخرين، فهو يفضل البقاء قريبًا من الأم.
  • قلق وانعدام الأمن: قد يعاني الطفل من مستويات عالية من الخوف من التخلي، الأمر الذي يؤثر سلبًا على قدرته على الاستكشاف والتعلم.
  • انعدام الاستقلالية: قد يجد الطفل صعوبة في تطوير مهارات الاستقلالية والاعتماد على الذات لأنّه يعتمد على الأم كليًا في تلبية احتياجاته.
  • مشاكل سلوكية: قد يعبر الطفل عن قلقه من خلال سلوكيات مثل البكاء أو نوبات الغضب عند الابتعاد عن الأم.

كما يسبب التعلق الزائد العديد من المشكلات للأم، منها: 

  • الإجهاد والضغط النفسي.
  • مشكلات في إدارة المهمات اليومية.
  • تأثيرات على العلاقات الاجتماعية والأنشطة الترفيهية.
  • مشكلات في الصحة الجسدية بسبب الإجهاد والتوتر المستمر.
  • الشعور بالذنب وعدم الكفاءة.
  • اضطراب في العلاقات الأسرية.

والآن، بعد أن تعرفت إلى أسباب وعلامات تعلق الطفل بأمه لا بدّ أنك قد توصلت إلى أن تدريب الطفل على خلق التوازن بين الاعتماد على الأم والاستقلالية هي الطريقة المثلى للتغلب على المشكلة، وأن ذلك يجب أن يكون بشكل تدريجي، مع المحافظة على رابطة آمنة في العلاقة طوال الوقت، واللجوء إلى متخصص إذا تطلب الأمر.