مفتاح سحريّ للتربية السليمة … حقائق علمية عن أثر رواية القصة على شخصية طفلك!
12 سبتمبر 2024 | وقت القراءة : خمسة دقائق
لطالما ارتبطت رواية القصص في تراثنا، فقد كانت تُعتبر وسيلة مهمّة للتسلية والترفيه وتقوية الرّوابط الاجتماعية. قد تظنّ أنّ الأمر عشوائيٌّ ومبنيٌّ على صدفة محضة، لكن يسرُنا أن نُخبرك أنّ أثر رواية القصص على أنفُسنا حقيقيّ ومُثبت علميًا، لهذا فإنّ استخدامها كوسيلة تربوية رئيسة أمر بالغ الأهمية، فالقصة هي بوابة الطفل نحو العالم، خاصةً إذا تمت روايتها بأسلوب يعزز التواصل ويُنمّي الشخصية.
أثر رواية القصص على الطفل من ناحية عِلمية
العقل البشري مبرمج للتفاعل مع القصص، فعندما يستمع الطفل إلى القصة تتفاعل مناطق عدة في دماغه لتُعالج اللغة والعواطف والتجارب الحسية، وهذه التفاعلات تخلق روابط عصبية تعزز الفهم والتعاطف وبناء وجهات النظر، فتتطوَّر لديه مهارات الذكاء الاجتماعي والعاطفي. لتفهم تأثير رواية القصص على طفلك وِفقًا لعلم الأعصاب، إليك ما يأتي:
- تشجيع التزامن العصبي
عندما يستمع الطفل إلى قصة، يبدأ الدماغ بتنشيط مراكز اللغة لفكّ رموز الكلمات والجمل، بينما تتفاعل المناطق الحسية لإنشاء صور ذهنية واقعية لأحداث القصة وشخصياتها. وهذا النشاط المتزامن يُعتبر جوهريًا لتنمية قدرة الطفل على الفهم، لأنّه يجمع بين عناصر القصة في رحلة عقلية متكاملة. - تعزيز الخلايا العصبية المرآتية
تعمل القصص على تنشيط الخلايا العصبية المرآتية عند المستمعين من خلال وصفها للعواطف والأفعال التي تتعرض لها الشخصيات. وبالتالي، يمكن لعقول الأطفال محاكاة تلك المشاعر عندما يواجهون حالات مماثلة، وهذا يعزز شعورهم بالتعاطف مع تجارب الشخصيات بشكل عميق. - إطلاق الدوبامين
القصص الجذابة تؤدي إلى إطلاق الدوبامين في الدماغ -الناقل العصبي الذي يؤدي دورًا مهمًا في التحفيز والشعور بالمتعة- وعندما ينغمس الأطفال في القصة، تتلقى أدمغتهم دفعة من الدوبامين، وهذا يعزز لديهم التجربة الإيجابية المرتبطة بسرد القصص، ويسهل التعلم والتواصل العاطفي. - تقوية الذاكرة
عند تقديم المعلومات بصورة قصصية تتعزز قدرة الدماغ على تذكرها، فالقصص توفر السياق وتُسهِّل عملية التذكر، خاصةً عندما تترافق مع العواطف، فهذا يمنح الدماغ أولوية الاحتفاظ بتلك المعلومات بشكل أكبر.
كيف أعرف أنّ القصة مُناسبة لطفلي؟
لن يستمتع طفلك بالقصة أو يتفاعل معها إذا لم تكن مناسبة له؛ من ناحية العمر والقدرات العقلية والاحتياجات النفسية والاهتمامات، فالأطفال الأصغر سنًّا يُحبون القصص التي تتضمّن أحداثًا واقعيةً ومألوفة، في حين يميل الأطفال الكبار إلى المُغامرة والإثارة والأحداث الغريبة كقصص الفضائيين والخارقين.
كما يجب أن تكون القصة جذّابة من الناحية السردية، أي تتضمّن أحداثًا متتابعةً ومُشوّقة، بالإضافة إلى الصور التي تُعزز الخيال وتُبرِز القصة. لكن ليس من الضروريِّ أن تبحث عن القصص الجديدة العصريّة؛ فالعديد من القصص الكلاسيكية تحمل معاني سامية، وتُشجّع على السلوكيات الصحيحة، وتغرس القيم والأخلاقيات، وتُمتّع الطفل في الوقت نفسه.
والأهمّ من ذلك كله هو تناسب القصة مع اهتمامات الطفل واحتياجاته، فإذا شعرت أنّ طفلك يُكرر سلوكًا خاطئًا دون أن يُدرك خطورته، يُمكنك أن تروي له قصة تتحدّث عن هذا الموضوع، وتجعله يستخرج العبرة بنفسه، وبهذه الطريقة ستقوي شخصية الطفل، وتجعله يشعر بأنّه يأخذ قراراته بنفسه بناءً على إدراكه لمدى صحة قراراته وسلوكياته. ولا تنسَ أن تتفاعل مع طفلك، فهذا سيعزز الرابطة بينكما ويخلق جوًا من الألفة.
لا يُمكننا تحديد الكتاب المُناسب للطفل دون النظر إلى سنّه واهتماماته وقدراته، لهذا فإنّ الأهل هم الأقدر على تحديد القصة المُتناسبة مع احتياجات طفلهم، لكن توجد معايير عامّة ينبغي مراعاتها في هذه العملية، سنحددها وفقًا لعمر الطفل فيما يأتي:
كيفية اختيار قصة مناسبة للطفل الرضيع
لا يكون بصر الطفل مُكتملًا عند ولادته، لهذا عليك أن تراعي الأمور الآتية عند اختيار القصة المُناسبة له:
- الصفحات سميكة وقابلة للشدّ والمضغ، لأنّ الطفل في هذه المرحلة يحبّ تجربة الأشياء ووضعها في فمه.
- الرسوم الكبيرة ذات الألوان الزاهية شديدة التباين التي تجذب انتباه الطفل وتُساعده على التركيز.
- نص قليل جدًا أو معدوم.
- النصوص المُتكررة، حيث يفضَّل اختيار القصص التي تحتوي على كلمات محددة تُضاف إلى مخزون الطفل، ويتمّ تكرارها ليتفاعل معها.
- الميّزات التفاعلية؛ حيث تُساعد الكتب التي تتضمّن مؤثرات صوتية أو ملمسًا جديدًا على شدّ انتباه الطفل.
كيفية اختيار قصة مناسبة للطفل بعمر (2-3) سنوات
في هذا العمر تكون قدرة الطفل على التعرّف على الأشياء قد ازدادت، لهذا لا مانع من زيادة الصور وتضمين جُمل بسيطة في القصة، وإليك المعايير الآتية:
- موضوعات مألوفة يُمكن للطفل إدراكها باعتبارها جزءًا من حياته الواقعية، كالنباتات والحيوانات وطرق النقل ونحوها.
- الميّزات التفاعلية، ففي هذا العمر ينجذب الأطفال للكتب الناطقة، أو التي تحتوي على نوافذ يُمكن فتحها، أو أشياء يُمكن لمسها.
- النصوص البسيطة التي تتضمّن جملًا قصيرة وكلمات متكررة وأناشيد بسيطة جدًا وسهلة الحفظ.
كيفية اختيار قصة مناسبة للطفل بعمر (3-5) سنوات
في هذا العمر ستجد أنّ طفلك يُحبُّ إمساك القصة بنفسه للاطّلاع على الصور، وربّما للتعرّف على بعض الأحرف، لهذا عليك أن تحرص على توفير المعايير الآتية:
- نصوص ذات قافية موحدة تُشبه الأناشيد تُشجِّع الطفل على إيجاد كلمات مناسبة للقافية، أو نصوص تتضمّن جملًا وكلمات مُضحكة تجذب الطفل.
- موضوعات تحكي عن تجارب من حياة الطفل وأنشطته اليومية حتى يتفاعل معها.
- الصور الملوّنة الكبيرة ذات العلاقة المُباشرة بموضوع القصة.
- النصوص ذات الفائدة اللغوية، حيث يُمكن اختيار نصوص تتضمّن أحرفًا وأرقامًا وأشكالًا كالنباتات والحيوانات.
- القصص التي تُشجّع على الإبداع وتُنمي الخيال الخصب وتُغذي الفضول، مثل الكتب التي تحفّز الأطفال على إكمال أحداث القصة بأنفسهم.
- القصص التي تنمي شخصية الطفل وتُعلّمه السلوكيات الصحيحة وتقوّم سلوكياته الخاطئة بأسلوب غير مُباشر.
- موضوعات تطوّر المهارات العاطفية والاجتماعية للطفل، كالموضوعات التي تتحدّث عن الصداقة والأسرة والأنشطة الروتينية.
كيفية اختيار قصة مناسبة للطفل بعمر (6-12) سنة
في هذه المرحلة يُمكن تطوير نمط القصة وفقًا للمعايير الآتية:
- نصوص سردية تحتوي على قصص متكاملة العناصر، بما في ذلك المكان والزمان والشخصيات.
- تضمين لمسة خارجة عن المألوف، فعلى الرغم من أنّ الأطفال في هذا السنّ يحبّون القصص الواقعية إلا أنّ إضافة جملة مُثيرة أو حدث غريب أو معقّد سيُسهم في تنمية التفكير النقدي لديهم، وسيجعلهم يبدؤون بتطوير مهارات حلّ المُشكلات.
- القصص التي تتضمّن ثقافات جديدة وعوالم لم يسبق لطفلك أن تعرّف عليها.
- قصص تُنمي فضول الطفل وتُجيبه عن الأسئلة الكثيرة التي تدور في مخيّلته.
- موضوعات تتضمّن العبرة والعظة، وتُنمّي شخصية الطفل وثقته بنفسه، وتُعرّفه على السلوكيات المرغوبة.
- احتواء القصة على شخصيات صالحة ومثالية يُمكن للطفل الاقتداء بها.
للقصة أثر قويّ جدًا على الطفل، خاصةً إذا توافق مضمونها مع احتياجات الطفل الاجتماعية والعاطفية والنفسية وفقًا لسنّه، لهذا ينبغي للأهل الحرص على اختيار قصص الأطفال بعناية تامة بما يتناسب مع اهتماماتهم.