أخطاء كارثية يرتكبها الأهل في التعامل مع ظاهرة التنمر عند الأطفال

22 مايو 2024 | وقت القراءة : خمسة دقائق

تعدّ مشكلة التنمر عند الأطفال من المشكلات التي تتنامى بشكل متسارع جدًا، لا سيّما في ظل انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الضارّ الذي يؤثّر على سلوك الأطفال ويدفعهم لممارسة أعمال عدوانية تجاه الآخرين. ستتعرّف خلال هذا المقال إلى ظاهرة التنمر عند الأطفال وكيفية التعامل معها بشكل سليم يناسب الطفل ومشاعره.

ظاهرة التنمر عند الأطفال

يُعرف التنمر عند الأطفال بأنّه سلوك عدواني يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر، ووفقًا لليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) فإنّ أهم خصائص التنمر هي التعمّد والتكرار واختلاف القوة، بمعنى أنّ الطفل عندما يتنمّر على أقرانه يفعل ذلك بشكل مقصود ومتعمد، وتراه يفعل ذلك بشكل متكرر، وتكون المضايقات مبنية على اختلال موازين القوة بين المتنمِّر والمُتنمَّر عليه سواء في قوة الشخصية أو الفروق البدنية أو لأسباب اجتماعية ونفسية. ولذلك إذا احتوت المضايقات على هذه العناصر الثلاثة فتُصنف في إطار التنمّر، أما إذا لم تكن المضايقة مقصودة وغير متكررة وغير مبنية على اختلال القوة، فتندرج تحت تصنيفات أخرى للمضايقات.
وإن تحدّثنا عن التنمّر في أرقام ستجدّ أن الأمر أخطر ممّا تتوقّع، فواحد من كلّ ثلاثة أطفال حول العالم في سن (13-15) سنة يقع ضحيةً للتنمّر، كما أنّ هناك 130 مليون طفل يتعرّضون للتنمر، و75% من الأولاد شهدوا تنمرا على الآخرين، و70% من المسؤولين في المدارس رأوا تنمر الأولاد على أقرانهم. معظم حالات التنمّر المسجّلة تقع في أمريكا الشمالية وأوروبا، لكن هذا لا يعني أنها أقل انتشارا في بقية أنحاء العالم، فمعدل تسجيل الحالات أعلى في الدول المتطورة عموماً.

أنواع التنمر عند الأطفال

للتنمّر أنواع مختلفة تشترك جميعها في الهدف المتمثّل في إيذاء الأشخاص، وتختلف في الفئات التي تستهدفها وفي أسبابها ومستوى ضررها، وفيما يأتي بيان لأبرز أنواع التنمّر.

التنمر الجسدي

يعدّ التنمر الجسدي أوضح أنواع التنمّر ومن أكثرها شيوعًا، خاصّةً عند الأطفال الصغار، ويكون من خلال الضرب بصوره المختلفة؛ كالضرب المباشر أو الركل أو التعثّر أو الدفع، كما قد يكون من خلال الإشارة بحركات غير لائقة باليد أو السرقة أو الاعتداء على الممتلكات أو إتلافها.
ومن الجدير بالذكر أنّ التنمّر الجسدي يكون عادةً من قبل طفل أو مجموعة من الأطفال الأكبر عمرًا أو الأقوى بدنياً من الطفل المُعتدى عليه، لأنّ المشاجرات العادية بين الأطفال المتساوين عمرًا وعددًا وقوةً لا تعدّ تنمرًا، وقد أظهرت الدراسات أنّ الذكور في عمر (7-15) سنة أكثر عرضةً لهذا النوع من التنمر من الفتيات في نفس العمر.

التنمر اللفظي

يكون التنمّر اللفظي عادةً من خلال توجيه الإهانات أو التنابز بالألقاب أو التهديد أو السخرية أو نحو ذلك، وهذا النوع من التنمّر شائع بين الذكور في عمر (7-10) سنوات. والمُقلق في الأمر أنّ هذا النوع من التنمّر لا يمكن إثباته وقد يسبب ضررًا على المدى الطويل، لإمكانية ادّعاء المتنمرين أنّهم يوجّهون مثل هذه الكلمات بهدف المزاح.  

التنمر الاجتماعي

هذا النوع من التنمّر شائع بين الفتيات بشكل كبير، ويكون الهدف منه عادةً الإضرار بالطفل من ناحية اجتماعية، كأن تتعرّض الفتاة للاتهام المستمر بالشائعات التي تُضرّ بسمعتها، أو تعمّد إخراجها من الأنشطة الاجتماعية وعزلها وتجاهلها. وعلى الرغم من أنّ هذا النوع من التنمّر لا يتم التعامل معه كما يجب، ولا يتمّ إعطاؤه الأهمية اللازمة إلا أنّه قد يعرّض الطفل للتوتر الدائم والقلق والاكتئاب الحادّ.

التنمر الإلكتروني

تُظهر الدراسات أنّ حواليّ 37% من الأطفال في سن (13-17) عام، وقرابة الـ 15% من الأطفال في سنّ (9-17) عام قد تعرّضوا للتنمّر الإلكتروني الذي يكون عادةً من خلال نشر المحتوى الضارّ والمُذلّ أو التهديد أو السخرية عبر الوسائل التكنولوجية. وبالرغم من أنّ معدلات التنمّر المباشر لا تزال أعلى من التنمّر الإلكتروني، إلا أنّ التنمّر الإلكتروني يتنامى بسرعة كبيرة، كما أنّ الأطفال الذين يتعرّضون له لا يشعرون بالراحة حتى في منازلهم.  

التنمر الجنسي

المُعضلة الكُبرى في هذا النوع من التنمّر هو أنّ أشكاله تتنوع بشكل كبير، فقد يكون من خلال الإيماءات أو الكلمات البذيئة أو الأفعال المباشرة، كما أنّه قد يكون مباشرًا أو عبر الإنترنت؛ من خلال نشر محتوى جنسي ضارّ للأطفال. وقد أظهرت الدراسات أنّ نسبة ملموسة من الأطفال تصلهم رسائل جنسية كالصور أو الفيديوهات المُخلّة خاصّة المُراهقين، وإنّ انتشار هذا الأمر بين المراهقين على نحو واسع من شأنه أن يزيد نسبة الاعتداء الجنسي الفعلي بينهم.

التنمر العنصري

هذا النوع من التنمّر يتضمّن محاولة إيذاء أطفال من أجناس أو أعراق أو أديان أو مستويات اجتماعية مختلفة لظنّ الشخص المؤذي أن الآخر أقل منه ويجب أن تتم معاملته على هذا النحو.

من الأطفال الأكثر عرضة للتنمّر؟

كل الأطفال عرضة للتنمر، لكن أظهرت الأبحاث أن بعضهم أكثر تعرضا له من البعض الآخر وهم:
  • المختلفون في المظهر، أو الخلفية الثقافية والدينية، أو الحالة الاجتماعية، أو ممن لديهم مشاكل صحية.
  • المتفوقون والموهوبون بشكل استثنائي، أو من يحصلون على اهتمام كبير.
  • المنطوون والخجولون اجتماعيًا الذين لا يميلون للتحدث بصوت عالٍ.
  • الوافدون الجدد على مجموعة قائمة.
  • المسالمون والأكثر هدوءاً.

كيف أعرف أن طفلي يتعرض للتنمر؟

لا يفصح الأطفال دائمًا عما يحدث لهم أو عن مشاعرهم الحقيقية، وهنا تقع المهمّة على عاتق الأهل في مراقبة الطفل واكتشاف ما إن كان يقع ضحيةً للتنمّر للإسراع والتعامل مع الأمر، وإليك بعض العلامات:
  • علامات جسدية مثل كدمات أو خدوش أو جروح.
  • الخوف من الذهاب إلى المدرسة.
  • العزلة والخوف من المشاركة في الفعاليات المدرسية.
  • الشعور الدائم بالقلق أو العصبية.
  • فقدان الأصدقاء بشكل مفاجئ.
  • تجنب الجلسات الاجتماعية.
  • فقدان أو تدمير الملابس أو الأجهزة الإلكترونية أو المقتنيات الشخصية الأخرى.
  • طلب المال بشكل متكرر.
  • ضعف التحصيل الدراسي.
  • التغيب عن المدرسة أو الاتصال بالأهل للعودة إلى المنزل.
  • كوابيس متكررة، وعدم الراحة في النوم.
  • الصداع أو آلام المعدة أو أمراض جسدية أخرى.
  • الشعور بالضيق المتكرر بعد قضاء الوقت على الإنترنت أو على الهاتف.
  • الكتمان وتجنّب الحديث عن الأنشطة المختلفة.
  • العدوانية أو نوبات الغضب.
  • محاولة البقاء مع الكِبار والخوف من التفاعل مع الأطفال.

التعامل مع التنمر عند الأطفال

إذا شعرت أنّ طفلك يتعرّض للتنمّر اتبع معه الأساليب الآتية:
  • حافظ على الهدوء:
    حافظ على هدوئك وتجنب الانفعال، وتمالك نفسك مهما كان الأمر صعبًا أو كانت التفاصيل مؤلمة بالنسبة إليك، لكي لا يتوتر الطفل ولكي لا يتوقف عن إخبارك المزيد.
  • استمع لطفلك: أخبر طفلك أنّ تعرّضه للتنمّر ليس خطأه، وأنّك معه لتدعمه، وشجّعه على التحدّث عن مشاعره، وأظهر له الدعم والاهتمام.
  • جمع المعلومات: حاول أن تجمع أكبر قدر من المعلومات عن أطراف المشكلة عن طريق الأسئلة، لذلك اسأل واسمع أكثر مما تتكلم وتحكم.
  • خذ الأمر على محمل الجد: يمكن للتنمر أن يتطوّر ويتحوّل إلى مصدر قلق أو اكتئاب، لا سيّما إن كان يتضمّن إيذاءً جسديًا أو نفسيًا، لهذا ينبغي لك أن توليه اهتمامًا كافيًا.

     

  • أشعر طفلك بالأمان: أخبر طفلك أنّك معه وستدعمه وتبذل قصارى جهدك في مساعدته في التخلّص من التنمّر، ولا تقم بلومه أبداً مثل أن تقول له: “لماذا لم تخبرني في وقت سابق؟”، أو “لماذا لم تدافع عن نفسك؟”.

     

  • كن داعمًا لطفلك: أخبر طفلك أنّ بإمكانه الإفصاح عن كل ما يجري معه من غير خوف أو قلق، وأنّ تعرضه للتنمّر لن يقلل من شأنه أبدًا، لأنّ لديه الكثير من الجوانب الإيجابية التي يمكنه استغلالها.

     

  • امتدح طفلك: أخبر طفلك أنّ المتنمّر هو المخطئ، وأنّ هذا الأمر ليس ذنبه، وأنّه أحسن التصرف عندما أخبرك ولم يردّ على المتنمّر بنفس الطريقة، وكن متعاطفا معه إلى أبعد الحدود.

     

  • اعمل على تقوية شخصية طفلك: هناك العديد من الإجراءات التي يمكن للأهل اتخاذها لزيادة ثقة الطفل بنفسه وتقوية شخصيته، وهناك محتوى وأدوات في تطبيق توتة تدعم ذلك.

     

  • البقاء ضمن مجموعات: انصح طفلك بتجنب البقاء وحيدا، مع الحرص أن يكون ذلك مؤقتاً حتى يتم التعامل مع التنمر.

     

  • الدفاع عن النفس: شجّع طفلك على الدفاع عن نفسه، لأن المتنمّرين عادة يخشون المواجهة، ولا يكرروا أفعالهم المسيئة إذا واجهوا مقاومة. وضّح له كيفية حماية نفسه، وشجعه على الإبلاغ عن التنمّر.

     

  • أشرك طفلك بالحل: اسأل طفلك ماذا يريد أن يفعل وكيف يفكر في حل الموضوع.

     

  • أخبر الشخص المسؤول في المدرسة: تحدّث إلى المرشد أو المعلم أو المدير واسأله إن كان لديهم أي سياسات للتعامل مع التنمّر.

     

  • المساعدة المتخصصة: لو شعرت أن المشكلة أثرت على طفلك من الناحية العاطفية أو النفسية، فاطلب مساعدة أخصائي اجتماعي أو نفسي.

     

 

كيفية التعامل مع الطفل المُتنمِّر

إذا شعرت أنّ طفلك يتنمّر على الآخرين، تواصل معه بلطف، واسأله عمّا إذا كان يشعر بعدم الراحة لسبب من الأسباب، لتتأكد من الأمر الذي يدفعه للتصرف بهذه الطريقة، واستعنّ باختصاصيين إن لزم الأمر. وإذا علمت السبب قم بتشجيع طفلك على الردّ بالأساليب السليمة الصحية التي لا يكون فيها احتمال لإيذاء الآخرين بأي شكل من الأشكال، وأخبره أنّ عليه أن يضع نفسه في مكان الآخرين ليتفهّم مشاعرهم.
إذا علمت أنّ طفلك يتنمّر في مناسبات معيّنة، كالاجتماع في الأنشطة الاجتماعية حاول أن تخفف من اشتراكه فيها حتى يتقوّم سلوكه، وإذا كانت هناك وسائل إلكترونية تشجعه على ممارسة التنمّر أبعدها عنه. والأهمّ من ذلك كلّه هو أن تقوّم سلوكك وسلوك كلّ أفراد العائلة؛ حيث إنّ الأطفال يقلّدون الأهل في كلّ شيء، فما عليك سوى أن تكون صريحًا مع نفسك وتنظر إلى بيتك وتصلح أمور عائلتك.  

كيفية التعامل مع الطفل الذي يشاهد التنمّر

حين يشاهد الطفل أفعال الإساءة والتنمر أمامه ضد طفل آخر، ويشعر بالعجز لعدم دفاعه عن الطفل الذي يتعرض للتنمّر فإنه قد يواجه:
  • شعورًا شديدًا بالذنب.
  • إحساسًا دائماً بالعجز (وفي الحالات القاسية يمكن أن يسبب ذلك حدوث صدمة له).
  • شعورًا بالقلق والخوف من أن يصبح الضحية التالية.
ولذلك من المهم تعليم طفلك وتشجيعه على الدفاع عمن يتعرض للتنمر، فهذا سيشعره بالقوة وسيحميه هو من التنمّر، وسيجعله محبوباً وأكثر ثقة بنفسه.
أخيرا، ومع انتشار ظاهرة التنمر عند الأطفال بشكل كبير، وازدياد أضرارها، تبرز الحاجة للتعرّف إلى أشكالها وإلى كيفية التعامل معها بشكل واعٍ يحدّ من خطرها وضررها على الأطفال.