كل ما تحتاج معرفته عن الطفل الحساس: صفاته وطرق التعامل معه

23 فبراير 2025 | وقت القراءة : خمسة دقائق

هل لاحظت أنّ طفلك يتأثر بشكل كبير بالمواقف البسيطة؟ أو أن لديه قدرة مذهلة على ملاحظة أدق التفاصيل والتغيرات من حوله؟ هذه السمات قد تكون دليلًا على أن طفلك يمتلك دماغًا شديد الحساسية، وهو أمر يجعل نظرته للحياة مختلفة ومميزة. في هذا الدليل الشامل، سنستكشف أسباب حساسية الأطفال، وكيفية التعامل معها، ونُبيِّن كيف يمكنك مساعدة طفلك الحساس على بناء شخصية قوية ومتوازنة.

الطفل شديد الحساسية

الطفل الحساس هو طفل يتمتع بجهاز عصبي فائق الحساسية يجعله يستجيب للمثيرات البيئية بشكل أكبر وأعمق من غيره، كما قد يشعر بالانزعاج من أشياء بسيطة مثل الأضواء الساطعة أو الأصوات العالية، ويتأثر كثيرًا بمشاعر الآخرين أو حتى بالأجواء المحيطة، وهو يتميز بوعي حاد لما حوله، وغالبًا ما يكون لديه تعاطف عميق وحدس قوي، مما يجعله يتفاعل مع العالم بطرق فريدة ومميزة.

رغم التحديات التي قد يواجهها الطفل شديد الحساسية، إلَّا أنَّ هذه السمة تمنحه مزايا فريدة، إذ غالبًا ما يتمتع الطفل الحساس بقدرة كبيرة على فهم الآخرين والتعاطف معهم، كما أنَّ لديه خيالاً واسعًا وإبداعًا مميزًا، وعندما يتلقى الدعم المناسب يمكنه الازدهار ليصبح شخصيةً مميزةً في المجتمع، فهو مثل الزهرة التي تحتاج إلى عناية خاصة لتزهر وتُظهر جمالها.

صفات شخصية الطفل الحساس

تعالج أدمغة الأطفال الحساسين المحفزات الحسية والمشاعر بشكل أعمق من المعتاد، وهذا يجعلهم يتفاعلون بطرق فريدة مع العالم من حولهم، ويُمكنك أن تُلاحظ عليهم بعض السمات الشخصية الآتية:

  • ردود الفعل العاطفية القوية: قد يبكي الطفل شديد الحساسية لسبب يبدو بسيطًا أو يفرح بشكل مبالغ فيه عند حدوث أمر جيد، مما يعكس عمق تجربته العاطفية.
  • التعاطف العميق: الطفل الحساس أكثر تفهمًا وتعاطفًا، وغالبًا ما يلجأ إليه الآخرون لدعمهم العاطفي.
  • الوعي بالتفاصيل الدقيقة: قد يلاحظ تغييرًا طفيفًا في تعابير وجوه الآخرين، أو اختلافًا بسيطًا في البيئة المحيطة، مثل ترتيب الغرفة أو لون السماء.
  • قابلية التحفيز المفرط: الضوضاء العالية، أو الأضواء الساطعة، أو الازدحام قد تدفعهم للشعور بالإرهاق، وكثيرًا ما يحتاج إلى العزلة أو الهدوء لاستعادة توازنه.
  • انخفاض القدرة على تحمل العنف أو الصراع: يسعى دائمًا إلى الهدوء والسلام، وقد يشعر بعدم الارتياح عند مواجهة أي مشاحنة مع الآخرين.
  • الحاجة إلى الهدوء أو العزلة: على الرغم من حبه للتواصل، إلا أنه غالبًا ما يحتاج إلى وقت لإعادة شحن نفسه من خلال العزلة الهادئة التي تساعده على معالجة مشاعره وأفكاره.
  • التفكير العميق والتأمل: قد تجده يتأمل في تجاربه اليومية ويبحث عن معنى أعمق للأحداث اليومية.
  • الحساسية تجاه النقد: يأخذ الأمور على محمل شخصي، مما يجعله بحاجة إلى تشجيع ودعم مستمر بدلاً من التوبيخ.
  • الإفراط في التفكير والتحليل: عند مواجهة قرار ما، قد يغرق في التفكير الزائد حول النتائج المحتملة، مما يؤدي إلى التردد أو صعوبة اتخاذ القرار.
  • حدس قوي وإدراك معزز: يمكنه فهم مشاعر الآخرين حتى دون كلمات، مما يجعله مميزًا في بناء علاقات عميقة.
  • الحساسية للعوامل البيئية: تؤثر بعض المحفزات مثل الروائح القوية، أو ملمس الملابس، أو تغيرات درجات الحرارة على راحته الجسدية والنفسية، لذا قد تجده ينتقي ما يرتديه أو أين يقضي وقته بعناية.
  • الإبداع والخيال العالي: يميل إلى التعبير عن نفسه من خلال ممارسة الفنون، أو الكتابة، أو اللعب الإبداعي.

ما هي الأسباب التي تجعل الأطفال حساسين للغاية؟

يمتلك الأطفال الحساسون جهازًا عصبيًا شديد الاستجابة يجعلهم أكثر وعيًا بكل ما يدور حولهم، وقد يُترجم ذلك في سلوكيات مثل الانفعال العاطفي الشديد أو الحساسية للأصوات والروائح أو حتى التفاعل الاجتماعي. وقد أظهرت الدراسات أنّ بعض الأطفال يولدون بهذا الميل الفطري للحساسية، ما يعكس وجود استعداد وراثي مرتبط بعمل الدماغ والجهاز العصبي.

لكنّ الحساسية ليست مجرد مسألة وراثة؛ حيث تلعب البيئة المحيطة دورًا كبيرًا في تشكيلها، فإذا شعر الطفل أنَّ مشاعره مُقدرة ومقبولة، فإن ذلك يساعده على تطوير مهارات التكيف والتعامل مع المواقف الصعبة. وفي المقابل، إذا تعرض الطفل لبيئة قاسية أو مفرطة في التحفيز، قد تصبح الحساسية مصدرًا للإجهاد وتزيد من احتمالية تطوير مشاكل نفسية مثل القلق أو الاكتئاب.

ابني حساس جدًا .. هل يمكنني مساعدته؟

لا تُعدّ الحساسية العالية خيارًا يمكن للإنسان تغييره، لكنّها أيضًا ليست مشكلة تحتاج إلى حل، بل هي جزء طبيعي من المزاج والشخصية؛ حيث يولد الأطفال الحساسون بهذه السمة التي لا يمكنهم التغلّب عليها، لكن الخبر السار هو أنهم يستطيعون تعلُّم إدارة مشاعرهم والتكيف مع العالم بطريقة تُخفف من تحديات حساسيتهم وتبرز قوتهم الفريدة.

عليك أن تعلم أنّ الحساسية ليست عيبًا، فهي تعني أنَّ الطفل يشعر بالأحداث ويفهم التفاصيل أكثر من غيره، مما يمنحه منظورًا خاصًا ومميزًا. لكن في المقابل، قد تؤدي هذه السمة إلى مشاعر زائدة أو تحديات في التكيف مع بيئات سريعة أو مزدحمة، وهذه يُمكنكِ مساعدته في التكيّف معها.

وعلى الرغم من أنّ الأبحاث تشير إلى أن الأطفال الذين يظهرون حساسية مفرطة منذ الطفولة يميلون إلى الاحتفاظ بهذه السمة على مدار حياتهم إلَّا أنَّ ذلك لا يعني أن الحساسية أمر ثابت لا يتغير؛ بل يمكن أن يتأثر بشكل كبير بالطريقة التي يتم التعامل بها مع الطفل والبيئة المحيطة به.

طريقة التعامل مع الطفل الحساس والعصبي

كأهل، يمكنكم أن تلعبوا دورًا محوريًا في دعم أطفالكم للتعامل مع عوالمهم بمرونة وراحة أكبر. وإليكم بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعدكم في ذلك:

  • قدِّم لطفلك مساحة آمنة للتعبير عن مشاعره دون إصدار أحكام.
  • خصِّص مكانًا مريحًا لطفلك لتجنب الإرهاق الحسي الناتج عن الأصوات العالية أو الفوضى البصرية.
  • أكِّد لطفلك أن مشاعره طبيعية، وأظهر تفهمك لها بدلاً من التقليل منها.
  • الالتزام بروتين يومي مستقر لتقليل التوتر الناتج عن التغيرات المفاجئة.
  • تحدث مع طفلك عن كيفية عمل جسمه واستجابته للتوتر، وساعده على إدراك ما يحدث داخله.
  • كن قدوة لطفلك في التعامل مع المشاعر بطريقة صحية وهادئة.
  • قلل من تعرض طفلك للعوامل البيئية التي قد تسبب التوتر مثل الضوضاء والإضاءة الساطعة.

تعديل سلوك الطفل الحساس

ذكرنا آنفًا أنّ علينا النظر إلى حساسية الطفل كميزة، لكن لا ينبغي لنا أن نُهمل التحدّيات أو العقبات التي يُمكن أن يواجهها والتي قد تؤثر على سلوكه، بل علينا أن نتعلّم كيفية تقوية شخصية الطفل الحساس كما سنُبيّن فيما يأتي.

لكن قبل ذلك، علينا أن نُميز بين الحساسية العالية والاضطرابات العصبية مثل التوحد أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؛ فالحساسية العالية ليست اضطرابًا، بل سمة طبيعية تؤثر في كيفية تفاعل الطفل مع العالم. 

ومع ذلك، قد يكون هناك تداخل في بعض السمات، حيث يمكن أن يظهر بعض الأطفال المصابين باضطرابات عصبية مستويات عالية من الحساسية، وفي هذه الحالة، يحتاج الطفل إلى رعاية من قبل أحد المتخصصين.

 استراتيجيات التأقلم مع التوتر

ساعد طفلك على التعامل مع الضغوط من خلال استراتيجيات بسيطة مثل:

  • تقنية 5-4-3-2-1: اطلب منه التركيز على خمسة أشياء يراها، وأربعة أشياء يلمسها، وثلاثة أشياء يسمعها، وشيئين يشمهما، وشيئًا واحدًا يتذوقه.
  • التنفس العميق: شجعه على التنفس ببطء وعمق لتقليل التوتر.
  • أنشطة إبداعية: الرسم، أو الكتابة، أو الموسيقى يمكن أن تكون متنفسًا رائعًا لطفلك.

استخدام موارد تعليمية مفيدة

يُمكنك التعمّق أكثر من خلال قراءة الكتب التي تقدم نصائح عملية ومبسطة للتحدث مع الأطفال عن مشاعرهم وأدمغتهم، فهذه الموارد تُساعدك على فهم احتياجات طفلك والتعامل معه.

التوازن بين توقعاتك وحدود طفلك

قد يميل الأطفال شديدو الحساسية إلى الكمال، مما قد يضعهم تحت ضغط إضافي، ودورك هُنا هو أن تُساعد طفلك على تحديد أهداف واقعية، وتشرح له أنَّ الأخطاء جزء طبيعي من التعلم، مع الاستمرار في تذكيره أن “الجهود أهم من الكمال” حتى تُخفف من شعوره بالضغط.

 تعزيز تعاطفه وتحويله إلى عمل إيجابي

يمتلك طفلك قدرة مذهلة على التعاطف مع الآخرين، ولتنمي هذه الصفة عليك أن تُشجعه على المشاركة في أعمال صغيرة تُظهر لطفه، مثل مساعدة أحد الأصدقاء، أو كتابة رسالة شكر، أو حتى زراعة نبتة في الحديقة، فهذه الأفعال تعطيه شعورًا بالثقة وتساعده على رؤية حساسيته كقوة.

تطوير التكيف مع العالم الخارجي

الأطفال شديدو الحساسية يمكنهم أن يتعلّموا كيفية التعامل مع التحديات اليومية، وذلك من خلال ما يأتي:

  • التدريب على الانتقال السلس: إذا كان الطفل يواجه صعوبة في الانتقال بين الأنشطة، يمكنك استخدام إشارات تحذيرية معه (مثل العد تنازلي أو التذكير المسبق) لتخفيف التوتر.
  • إعداد الطفل للمواقف الجديدة: إذا كان سيواجه تجربة جديدة، مثل الذهاب إلى مدرسة جديدة، تحدث معه مسبقًا عمَّا يمكن أن يتوقعه.

لا ينبغي لك النظر إلى حساسية طفلك كعائق، بل كجزء جميل من شخصيته يحتاج إلى الدعم والرعاية، وبذلك يمكنك أن تُساعد طفلك لينمو ويصبح شخصًا متوازنًا قادرًا على التكيف مع تحديات الحياة، مع الحفاظ على قلبه الحساس وروحه الفريدة.