دور الأب والأم في تربية الأبناء: مسؤولية مشتركة لتنشئة جيل ناجح
23 فبراير 2025 | وقت القراءة : خمسة دقائق
من هو المسؤول الأول عن تربية الأبناء؟ قد يبدو السؤال بسيطًا، لكنه يعكس قضية تربوية عميقة؛ ففي كثير من المجتمعات يُلقى عبء التربية كاملًا على الأم، وكأنها الوحيدة المعنية بتشكيل شخصيات الأبناء ورعاية احتياجاتهم. لكن هل هذا التصور عادل أو واقعي؟ الحقيقة أن تربية الأطفال ليست مهمة فردية، بل هي مسؤولية مشتركة تتطلب دورًا متوازنًا من كلا الوالدين. في هذا المقال، سنكشف أهمية مشاركة الأب في بناء مستقبل أبنائه، وكيف تسهم هذه الشراكة في تحقيق تربية صحية وشاملة.
على من تقع مسؤولية تربية الأبناء؟
كان الأب في معظم المجتمعات التقليدية يُنظر إليه باعتباره البنك المركزي للعائلة، حيث تقتصر مهمته على الخروج إلى العمل يوميًا لتحقيق مطالب الأطفال وتلبية احتياجاتهم، ورغم أن هذا الدور لم يتغير كثيرًا، سوى أنّ الأم أيضًا أصبحت فردًا عاملًا ومنتجًا من الناحية المادية أكثر من ذي قبل، إلا أنّ الفكر قد تغير بازدياد الوعي.
أظهرت العديد من الدراسات أنّ الأطفال الذين يكون آباؤهم حاضرين معهم في محطات حياتهم المختلفة يُظهرون تطوّراً معرفيًا أفضل من غيرهم، كما يكونون أقدر على بناء حياة عاطفية وأسرة أكثر استقرارًا من غيرهم في المستقبل. وهذا يعني أنّ دور الأب لا يقتصر على الدعم المالي، وإنّما يتعدى ذلك ليصل إلى الدعم العاطفي والنفسي، أو حتى العناية اليومية والرعاية الصحية.
يُشكل الأب والأم معًا شراكة مُلهمة للأطفال، وهذا يدفع الأطفال أنفسهم للمُشاركة في العملية التربوية، حيث يُساعد الأطفال الأكبر سنًا في رعاية الأطفال الصغار، وفقًا لقدراتهم الجسدية والفكرية. وعلى الرغم من اشتراك المجتمع المحيط في العملية التربوية أيضًا، سواء في المدرسة أو الشارع أو حتى في بيوت الأقارب، إلا أنّ الدعم والتوجيه الذي يتلقاه الطفل من أهله يبقى مفتاحًا لنجاحه في مختلف نواحي الحياة.
أهمية الأب في حياة الطفل
للأب مكانة عظيمة ودور بارز في حياة أطفاله، وتتمثل فيما يأتي:
يبدأ هذا الدور عادة قبل الزواج، فمن المهم أن يتم اختيار الزوجين عن قناعة قلبية وعقلية، إذ إنّ حالة التفاهم التي يُلاحظها الطفل على أهله تؤثر بشكل كبير على نموه العاطفي، فالولد ينظر إلى أبيه باعتباره قدوة له، فيقلده خلال تعاملاته مع الآخرين، في حين ترى البنت في أبيها صورة الشريك المستقبلي، وكلّما كان الأب أقرب إلى أطفاله وأكثر تفهمًا في حياته العائلية كانت هذه الصورة أفضل.
النجاح الأكاديمي والمهني
وجدت الدراسات أنّ الآباء الذين ينخرطون مع أبنائهم في أداء الأنشطة والواجبات المدرسية والمهنية، يولدون لديهم طاقة أكبر للعمل والإنجاز، وطموح أعلى للوصول إلى الدرجات العليا.
الثقة بالنفس
الآباء الذين يُعبرون عن حبهم ومشاعرهم لأطفالهم يُساعدونهم على تكوين صورة أفضل عن أنفسهم، وهذا يُعزز لديهم مشاعر احترام الذات والثقة بالنفس.
تقوية المهارات الحياتية
الأطفال الذين يقضون وقتًا نوعيًا مع آبائهم يكونون أكثر قدرة على تكوين العلاقات الاجتماعية مع الآخرين وإدارتها، كما أنّ وقوعهم في السلوكيات الخطرة مثل التدخين أو تعاطي المواد المخدرة يكون أقل من غيرهم، لأنّهم يشعرون أنّهم مقبولون من قبل أهلهم كما هم، فلا يبحثون عن بدائل للنسيان أو لإثبات الذات.
مهمة مشتركة: ما هو دور الأب والأم في تربية الأبناء؟
الأب هو المُعيل والحامي في مُعظم الأسر، لكن هذا لا يكفي؛ فمهمة تربية الأطفال وتأديبهم وتأسيسهم تنقسم مناصفة بين الأب والأم، ومن المهمات التي تقع على عاتق الأهل عمومًا ما يأتي:
- قضاء وقت نوعي مع الأطفال: في هذا العصر الرقمي قلّما نجد أبًا أو أمًا يُحدثان أطفالهما ويقضيان معهم الأنشطة العائلية بعيدًا عن الإلكترونيات، وهذا الأمر يجب الحذر منه؛ لأنّه يؤثر سلبًا على الأطفال، ويجعلهم يشعرون بأنهم مهملون.
- الاحترام المتبادل: ينبغي للأب أن يحترم زوجته أمام الأطفال، ويحترم الأطفال أنفسهم، فلا يطلب منهم الاحترام أحادي الجانب، بل يكون قدوة لهم في ذلك، ومثل هذا ينطبق على الأم أيضًا.
- التعبير عن الحب: لا ينبغي للأهل أن يكونوا قساة أو جامدين عند التعامل مع أطفالهم، بل عليهم أن يعبروا عن حبهم لهم بالكلمات والأحضان والقبلات والنظرات الحانية، وكذلك عند التعامل مع بعضهم أو مع الآخرين، عليهم أن يُظهروا مشاعر الود أمام أطفالهم، لكن دون مبالغة.
- تعزيز الهوية الجنسية: ينبغي للأب مصاحبة طفله الذكر، وإجابته عن أسئلته وإن كانت محرجة أحيانًا، وأن يعلمه كيف يتصرف الرجال وما هي صفاتهم. أما الأنثى فيكون حنونًا معها، ويحترمها ويُعطيها حقوقها، ولا يطمس شخصيتها، ويعلمها الفرق بين الذكر والأنثى وأنهما مكملان لبعضهما البعض من خلال إظهار علاقته التكاملية مع زوجته أمامها، وعلى الأم أن تُكمل هذه المهمة بالتوافق مع الأب.
- الحفاظ على أوقات العائلة: مهما كان العمل مُرهقًا، ومهما تراكمت أشغال الحياة، ينبغي للأهل المحافظة على أوقات الوجبات اليومية والعطل الأسبوعية وفترة ما قبل النوم، وأي وقت يمكنهم استغلاله مع أطفالهم كعائلة واحدة.
- تعليم الأخلاق الحميدة: عندما ينظر الطفل إلى أبيه وأمه وهم يُمارسون الأخلاق الحميدة التي يعلمونه إياها سيشعر بأهميتها، خاصةً أن الأب والأم لهما هيبة في نفوس أطفالهم.
نصائح في تربية الأبناء
تربية الأطفال ليست مهمة سهلة، لكنّها ستُصبح أكثر فاعلية إذا استندت إلى النصائح العملية المدعومة بالدراسات العلمية، وإليك أهمها:
- خصص وقتًا يوميًا للتحدث مع أطفالك والاستماع إليهم لتعزيز مهاراتهم الاجتماعية.
- استخدم التشجيع وشرح السلوكيات المقبولة بدلًا من العقاب.
- أظهر القيم والسلوكيات التي تريد أن يكتسبها طفلك من خلال أفعالك اليومية.
- شجع طفلك على التعلم من الأخطاء بدلًا من الخوف منها.
- ضع قواعد واضحة ومتوازنة تمنح الأمان مع الحرية.
- عبر عن حبك دائمًا لطفلك بالكلمات والأفعال، ولا تقرنه بأي شروط أو أحوال.
- امنح طفلك فرصة اتخاذ القرارات المناسبة لعمره مع دعمك.
- ساعد طفلك على التعبير عن مشاعره لتقوية صحته النفسية.
- شجع طفلك على ممارسة الرياضة والمشاركة في أنشطة جماعية.
- تكيّف مع احتياجات طفلك المختلفة حسب شخصيته وعمره.
- اقرأ لهم واغرس لديهم حب القراءة والتعلم.
- علم أطفالك مكارم الأخلاق، مثل الصدق والأمانة.
في النهاية، تربية الأبناء ليست مجرد مهمة تؤدى بشكل منفصل، بل هي شراكة تستند إلى الحب والتفاهم والوعي، لهذا عليك أن تحرص دائمًا على أداء دورك كأب أو أم بما يخدم مصلحة أبنائك، فنجاحهم يبدأ من التفاهم المشترك والتوازن الأسري.