هل تخيلت يوماً أن مديحك وتشجيعك لطفلك قد يضعفان شخصيته؟ تعرف على طرق التشجيع الصحيحة

2 يونيو 2024 | وقت القراءة : خمسة دقائق

تشير الدراسات إلى أنّ الدافع الداخلي والحماس للعمل والإنجاز والتعرّف على الأشياء يبدآن في مرحلة الطفولة، حيث يكون للأهل الدور الأكبر في تشجيع الأطفال وحضّهم على القيام بواجباتهم المدرسية والمنزلية والعائلية من خلال غرس مبادئ حبّ الإنجاز والوازع الداخلي، بدلًا من جعلهم يتعاملون معها كعبء إضافي. لكن على الأهل أن ينتبهوا أيضاً أن بعض التشجيع قد يكون سلبيًا، وسنوضح الحد الفاصل بين التشجيع السلبي والإيجابي ونشرحه في السطور الآتية.

طرق تشجيع الأطفال

يمكن للأهل اتباع الأساليب المُبتكرة التي تنصّ عليها الأبحاث النفسية في سبيل خلق الحافز الداخلي لدى الطفل، وتشجيعه على القيام بواجباته بناءً على رغبته الخاصّة، وإليك مجموعة منها.

اتّبع طفلك

يتجه الأطفال عادةً نحو الأشياء والأحداث التي تقع ضمن نطاق فهمهم وقدراتهم، ويصرفون النظر عن الأشياء المعقّدة، وهذا ما يُطلق عليه أحيانًا اسم “قاعدة جولديلوكس”؛ والذي ينصّ على أنّ البشر عمومًا يشعرون بغاية المتعة عندما يعملون بشيء يوافق قدراتهم وإدراكهم تمامًا، بحيث لا يكون أصعب منها بكثير، ولا أسهل بكثير، والأمر نفسه ينطبق على الأطفال. وبناءً على ذلك يقع على عاتق الأهل مهمّة اتباع أطفالهم والتفاعل معهم في الأشياء التي ينجذب الأطفال إليها، لأنّها تكون أقرب إلى قدراتهم وميولهم، ويمكن تكليفهم بالمهام وزيادة صعوبتها تدريجيا، لتبقى في نطاق قدراتهم وتشكل تحدياً لهم في الوقت ذاته.

أثِر فضول طفلك

يهتم الأطفال عادة بالأشياء والأحداث الجديدة، ويصرفون النظر عن الأشياء المألوفة، وذلك لأنهم يتسمون بحس الفضول العالي، فهم حتى عندما يسقطون شيئًا على الأرض أو يرمونه، يحاولون معرفة ما الذي سيحدث بعد ذلك، لهذا امنح طفلك الفرصة للتفاعل مع الأشياء والقيام بأنشطة جديدة ليتعرّفوا بأنفسهم على نتائجها، وحاول أن تكلفهم بمهام جديدة باستمرار.

شجع طفلك على الاستكشاف المبني على اللعب

عندما تتاح للأطفال الفرصة، تراهم ينخرطون تلقائيًا في اللعب، لأنّ اللعب يعدّ محفزًا جوهريًا لهم، فهو يقدم فرصة مثيرة لاستكشاف تجارب جديدة والتعلّم من الآخرين، ويتطلب من الأطفال مشاركة نشطة، كما من شأنه أن يقوّي الروابط الاجتماعية لديهم ويقلل التوتر. نعلم أنّ الوقت الضيّق للأهل يجعل من الصعب جدًا عليهم تخصيص أوقات للعب مع الأطفال، لكنّ اللعب مهمّ جدًا في نمو الطفل وتطوّره، فخصص وقتًا يوميًا لطفلك وإن قل، وحاول أن تكلفه بمهام ومسؤوليات خلال اللعب.

أعطِ الأولوية للتعلم التفاعلي

في هذا العصر الرقمي الذي نعيشه، توجد العديد من التطبيقات التعليمية المخصصة للأطفال، حتى للأطفال صغار السن الذين تقلّ أعمارهم عن 6 سنوات. ومع ذلك، لا يمكن أن تحل هذه التطبيقات محل التفاعلات الاجتماعية الواقعية. وقد وجدت إحدى الدراسات أنّ تعلم الأطفال عناصر اللغة والتواصل يكون أكثر كفاءة وفعالية في التعليم الوجاهي، وإن كان ممكنًا عبر الهاتف المحمول أو الجهاز اللوحي.

اخلق روح التحدي لطفلك

مهارات التحدي تولد مع الأطفال، فهم كلّما أتقنوا مهارة معيّنة يسعون لاكتساب مهارة جديدة أصعب. ودورك هنا هو أن تحاول التكيّف مع قدرات طفلك الحالية، وتجد أمرًا يثير روح التحدي لديه، وتلاحظ تطوّر أدائه.

امنح طفلك القدرة على الفعل

يكون الأطفال أكثر تحفيزًا عندما تكون لديهم الحرية في اتخاذ قرارتهم بأنفسهم، واختيار القيام بمهام ذات مغزى وأهمية شخصية، فلو أجبرت طفلك على القيام بأنشطة تختارها أنت ستجده يقوم بها تنفيذًا للأوامر ورغبةً في الحصول على الحافز، وهذا من شأنه أن يقتل حسه الإبداعي، لذا اترك له المساحة ليختار الأنشطة التي يرغب بها، والمهام التي يريد تنفيذها.

قدم الحوافز فقط عند الضرورة

لا تتسرّع في مكافأة أطفالك على أشياء تراهم يستمتعون بفعلها، لأنّ هذا سيجعلهم يعتقدون أنّهم يقومون بهذا العمل للحصول على الحافز فقط. وفي المقابل، عليك أن تستغل فضوله الطبيعي وميله للعمل نحو هدف قابل للتنفيذ، بدلاً من وعده بمكافأة. ويفضل دائما أن تكون الحوافز معنوية وليست مادية، فالحوافز المادية لها آثار سيئة للغاية.

أساليب تشجيع الاطفال على الدراسة

كثيرًا ما نسمع عن معاناة الأهل في عدم قدرتهم على تشجيع أطفالهم على الدراسة وأداء الواجبات المنزلية، وقد تتحوّل هذه المعاناة إلى أزمة يصعب حلّها لو تفاقمت مع مرور الزمن، لهذا وضع اختصاصيو التربية مجموعة من الأساليب المهمّة في تحفيز الأطفال على الدراسة تُضاف إلى المحفّزات سابقة الذكر.

امدح العملية بدلاً عن النتيجة

عندما تمدح الطفل على النتيجة الواضحة للعيان مثل مدح مستوى ذكائه أو مهاراته أو الدرجة التي حصل عليها فإنك تقلل من أهمية العمل بنظره، وهذا قد يؤدي إلى توجُّهه نحو الطريقة الأسهل لتحقيق النتيجة، لأنّك تزرع في نفسه الدافع لتحقيق المزيد من المكافآت لا بذل الجهد الأكبر. وهذا الأمر مهمّ بالنسبة لأداء الطفل الدراسي، فإذا مدحت طفلك على جهده وساعدته على رؤية الفشل كفرصة للتعلم والتحسين بدلاً من التركيز على النتيجة، سيزيد حماسه للعمل الجاد، وستَنبني لديه فكرة بأنّه يستطيع تحقيق ما يصبو إليه بالعمل والجهد.

ركز على كلمات تشجيع الأطفال

للكلمة وقع وأثر كبير على الإنسان عمومًا وعلى الأطفال خاصة، فعبارات مثل: “أنت ذكي وقادر على التفوّق”، أو “لا تستسلم، فأنت أقوى من الفشل”، أو “أنت ذكي وموهوب، لكن الحظ لم يحالفك في هذه المرة”، أو “استفِد في الفشل وستحقق العجائب”، كلّها تنمي لدى الطفل الروح الإيجابية والإقبال على الدراسة، والنظر إليها كجزء مهمّ في هذه الحياة.

شارك أطفالك

إنّ مشاركة الأهل لأطفالهم في عملية الدراسة أمر مهم للغاية، لأنّه يعزز ثقة الطفل بنفسه وبأهله، خاصّة عندما تخبر طفلك بأنّك موجود إلى جانبه ومستعد لأن تشرح له كل ما يصعب عليه فهمه، لكن دون أن تعطي له الأجوبة الكاملة بسهولة، ودون أن يبذل هو أي جهد.

هيئ البيئة والوقت المناسبين

خصص لطفلك مكانًا مناسبًا وهادئًا للدراسة، واختر معه الوقت المناسب لحلّ الواجبات والدراسة اليومية بحيث يكون أقرب ما يمكن إلى وقت عودة الطفل من المدرسة، لأنّ عقله في هذه الفترة يكون نشطًا، وكلّما مضى الوقت قلّت عزيمته.

التشجيع السلبي وأثره على الأطفال

لا يجب على الأهل تشجيع الطفل بسبب ودون سبب، بل عليهم التفكير بهدوء واتخاذ قرار عقلاني بمدح الطفل أو تشجيعه حسب الموقف والجهد الذي بذله الطفل وحجم الإنجاز، وعلى الأهل أن يسألوا أنفسهم دائماً: “هل الطفل بحاجة لتشجيع الآن؟ وهل يستحق الثناء في هذه اللحظة أم لا؟”.

يُعتبر التشجيع والمديح في علم التربية من المحفزات الخارجية، ومن الثابت علمياً أن المحفزات الخارجية مع الوقت تدفع الطفل إلى إهمال نزعته الفطرية الداخلية، وتجعله معتمداً بشكل كامل على هذه المحفزات الخارجية لكي يحقق أهدافه أو يقوم بجهد معين، مما قد يؤدي إلى فشله في حال غيابها، وحتى مع استمرارها فإنها تصبح شيئاً فشيئاً غير مرضية. حتى المحفزات الخارجية المعنوية مثل المديح قد تكون مضرة، لأنها تعوّد الأطفال على سماع الصوت الخارجي والاعتماد عليه، فيصبح رأيهم في أنفسهم مرتبط بالصوت الخارجي وليس الداخلي، وهذا يضعف شخصياتهم، لأنهم يتعودون على تكوين صورتهم عن أنفسهم بناءً على ما يقوله الآخرون عنهم سلباً أم إيجاباً، بدلاً من الرجوع إلى بوصلتهم الداخلية.

كلّ الأساليب التي ذكرناها مهمة جدًا وجوهرية، لكننا نختم بالتأكيد على أنّ الأسلوب الأفضل في تشجيع الأطفال هو محاورتهم والتحدّث إليهم والاستماع إلى أفكارهم واهتماماتهم، لتتكوّن لدى الطفل فكرة بأنّه قادر على الإنجاز ويمكنه تحقيق ما يهدف إليه، مع مراعاة ضرورة أن يكون التشجيع إيجابياً ولا يؤدي إلى فقدان الطفل لصوته الداخلي وبوصلته الذاتية.