الفرق بين التغافل الواعي والإهمال في التربية .. احسم الأمر وكُن متزنًا!

11 سبتمبر 2024 | وقت القراءة : خمسة دقائق

ليست التربية بالمهمة السهلة، فهي منهج متكامل يتطلب الكثير من الجهد والصبر ليحقق نتائجه المثمرة، وينبغي للأهل خلال هذه الرحلة الطويلة أن يتأقلموا مع فكرة ارتكاب الطفل للأخطاء المقصودة أو غير المقصودة، لأنّها قد تنتج عن حاجات نفسية أو رغبات مكبوتة أو تفاعل طبيعي مع البيئة المحيطة. 

ما هو التغافل في التربية

يُعرف التغافل كمصطلح تربوي بأنّه التجاهل أو التغاضي المتعمّد عن تصرفات الأطفال الخاطئة، وإذا استُخدم هذا الأسلوب بطريقة صحيحة فإنّه يُسهم بشكل فعال في بناء شخصية الطفل المتزنة والقوية، فالتغافل من شأنه أن يُشعر الطفل بأنّ أهله يحترمونه ويقدّرونه، فيبدأ بالبحث عن الأساليب والطرق المُثلى التي تمكّنه من تصحيح أخطائه بنفسه دون الحاجة إلى توجيه من الأهل. 

كما أنّه يمنح الأهل فرصة التفكير في الخطأ من جميع جوانبه، وتقدير حجم الخطر المتوقّع منه، وهذا سيجعلهم أكثر قدرةً على حل المُشكلات والتعامل مع أطفالهم بحكمة. إضافةً إلى ذلك، سيشيع الاحترام والتعامل الإيجابي بين الأهل والأطفال، مما يزيد من ثقة الطفل بوالديه ومحبته لهم، فتتعزز الروابط الأسرية لأنّ الطفل يعلم أنّ له شخصيته المستقلة وأنّ بإمكانه الاستعانة بأهله لأخذ النصح والإرشاد بعيدًا عن الانتقاد والإحراج.

متى يجب على الأهل التغافل عن أخطاء أطفالهم؟

حياة الأطفال مليئة بالتعلّم والتجارب، ومن الطبيعي أن يقعوا في الكثير من الهفوات خلال المراحل الأولى من حياتهم، لكن إذا وقف الأهل موقف المتصيّدين لأخطاء أطفالهم فلا شكّ أن ذلك سيكون له آثار وعواقب وخيمة على شخصية الأطفال وحالتهم النفسية، كما أنّه سيضرّ في استقرار الأسرة بشكل عام. 

ومن الضروري أن يُدرك الأهل أنّ مُعظم أخطاء الأطفال تكون غير مقصودة، فإذا أوقع الطفل كوبًا فهذا لا يعني أنّه افتعل ذلك قصدًا، بل الأمر كلّه يرجع إلى مرور الطفل بمراحل نمو تدريجية تجعل من الصعب عليه أن يعتاد على جسمه ويتحرّك بطريقة طبيعية بسرعة، وحتى عندما يبكي الطفل بشدة لأنّه يريد شيئًا لا تراه أنت بهذه الأهمية، فهذا ناتج عن عدم قدرته على السيطرة على مشاعره وفهم أولويات الأمور، وعلى الأهل أن يتفهّموا ذلك فيتغاضوا عن مثل هذه الأخطاء الصغيرة وغير المقصودة.

وفي مرحلة المُراهقة يصبح الأطفال أكثر حساسية للانتقاد، وأكثر قلقًا من طريقة تفكير الآخرين بهم، لهذا ينبغي للأهل مراعاة هذه المرحلة الحساسة التي يمرّ بها الطفل؛ فكثرة الانتقاد قد تدفعه إلى تجنّب مجالسة الأهل والتحدّث معهم، بالإضافة إلى الشعور بضعف الثقة بالنفس، وتجنّب فعل أي شيء أو ممارسة أي هواية خشية التعرض للانتقاد.

متى يصبح التغافل إهمالاً في التربية؟

عندما نقول إنّ عليك أن تتغافل عن أخطاء طفلك وهفواته فإننا لا نقصد بذلك أن تُهمله أو تُعطيه الحرية المُفرطة التي قد تدفعه إلى التصرف وفقًا لأهوائه الشخصية أو تزيد من عناده، لكن يتوجّب عليك أن تتبع التغافل كأسلوب تربوي واعٍ، وهذا الأمر تحدده مجموعة من الضوابط نذكرها لكم فيما يأتي:

  • التغافل هو تجاهل خطأ الطفل مؤقتًا،  لتقوم بعد ذلك بالتحاور مع طفلك والاستماع إليه بحرص لمعرفة السبب الذي دفعه لفعل هذا السلوك ومعالجته بطريقة حكيمة تجعل الطفل يُدرك خطأه فلا يعيده ثانيةً، أما الإهمال فهو أن تتجاهل تصرف طفلك الخاطئ تمامًا ولا تحاول تقويمه بأي طريقة. 
  • التغافل عن خطأ الطفل غير جائز إذا تعلّق بالآخرين، فإذا أخطأ طفلك مع زميل له فتنمّر عليه أو أضرّ به، عليك أن تنصحه وتوجّهه لأن يصحح خطأه ويعتذر من زميله.
  • التغافل يعتمد على حجم الخطأ الذي ارتكبه الطفل، فقد يرتكب بعض الأطفال أخطاء مؤذية أو خطرة يُمكن أن تدمّر حياتهم أو صحتهم أوتحرف سلوكهم خاصةً في مرحلة المراهقة، وهنا ينبغي للأهل التصرّف فورًا والتعامل مع الموقف بحكمة. اللعب بالدمى ذات الأشكال التي يحبّها الأطفال؛ مثل الحيوانات أو السيارات أو غير ذلك.

كيفية التعامل مع أخطاء الأطفال

عليك أن تكون مرنًا تجاه أخطاء أطفالك، وألا تحمّل الأمر أكثر مما يستحق، فهو أمر طبيعي، ولتتمكن من مواجهته بطريقة واعية، اتبع الأساليب الآتية: 

  • تقبل الأخطاء:
     على الأهل أن يتيحوا الفرصة لأطفالهم ويُفسحوا لهم المجال ليخطئوا، وأن يتجنبوا التدخل الفوري، ويتركوا الأحداث لتتكشف بشكل طبيعي، فهذا سيساعد الطفل في فهم الخطأ وربط الأسباب بالنتائج. 
  • أعطِ طفلك مهلة:
    أعطِ طفلك مهلة ليصحح خطأه بنفسه، لأن هذا سيزيد من ثقته بنفسه ويزرع في داخله الوازع الذاتي، لكن إذا لم يصحح خطأه أخبره أنك أمهلته بما يكفي. 
  • تواصل مع طفلك:
    افهم سبب ارتكاب طفلك للخطأ دون إجباره على الحديث أو تهديده، وأخبره أن ارتكاب الخطأ أمر طبيعي وأن المهم هو التعلم من الخطأ. 
  • تعامل مع الخطأ باعتباره فرصة للتعلم:
    ناقش طفلك في السبب الذي جعل تصرفه يبدو خاطئًا، وحاولا أن تجدا معًا الدروس المُستفادة من هذه التجربة. 
  • جِد الحلول:
    ساعد طفلك في تصحيح الخطأ وإيجاد الحلول لمواجهة العواقب، فإذا قام طفلك بالتنمر على أخيه اقترح عليه أن يعتذر لأخيه وأن يعده بعدم تكرار هذا التصرف. 
  • أخبر طفلك عن القيم الحسنة:
    اجلس مع طفلك، وأخبره أن عليه أن يتحلى بالأخلاق الكريمة وأن يلتزم بالقيم والقواعد المحددة. 
  • كُن قدوة حسنة:
    بادر أنت وكُن مثلًا يحتذي به طفلك، فحاول ألّا ترتكب الأخطاء، وإن حصل ذلك أسرع وصحح خطأك، وعلم طفلك أن الاعتذار لا يُنقص منه أبدًا، وأننا جميعنا نُخطئ، لكن المهم أن نصحح الخطأ ولا نعد إليه مجددًا. 

في كثير من الأحيان يكون التغافل عن خطأ الطفل هو حلّه ببساطة، فقد يرتكب الطفل أخطاء بسيطة ويصححها بنفسه من غير الحاجة للمُبالغة أو إعطاء الأمر أكبر من حجمه الطبيعي. مع العلم أنّ التغافل لا يعني الإهمال في التربية، فهو أسلوب واعٍ ومتزن للتعامل مع أخطاء الأطفال يُحدث في نفوس الأهل والأطفال راحة نفسية لا مثيل لها.