أنواع التربية وخصائصها .. ما هو نمط التربية المُناسب لجميع الأطفال؟

20 أكتوبر 2024 | وقت القراءة : خمسة دقائق

تلعب أنماط تربية الأطفال دورًا مُهمًا في تشكيل سلوكياتهم وشخصياتهم، حيث تختلف تأثيرات هذه الأنماط باختلاف خصائصها، خاصةً تلك المُتعلّقة بمستوى التطلُّب والاستجابة لاحتياجات الأطفال ومشاعرهم. في هذا المقال سنتناول الحديث عن أنواع التربية الأساسية الأربعة، ونُبيّن أهمّ الخصائص المُميِّزة لكل منها، ونوضّح آثارها السلبية أو الإيجابية على الطفل.

تأثير الخلفيات الثقافية على أنواع التربية

تتنوع أساليب التربية بشكل كبير بين العائلات المختلفة وفي البيئات الاجتماعية المختلفة، حيث تلعب الخلفيات الثقافية دورًا أساسيًا في تشكيل هيكل الأسرة وأساليب تربية الأطفال، وحتى في إطار البيئة الواحدة يُمكن للنمط المتبع في تربية الأطفال أن يختلف باختلاف الزمن، فقد شهد العالم على سبيل المثال في العقود القليلة الماضية تطورًا تكنولوجيًا غير مسبوق، الأمر الذي استدعى تغيير أسلوب التربية بشكل كبير ليتناسب مع هذا التغير الملموس.

وعلى الرغم من أنّ بعض الدراسات صنّفت التربية إلى أربعة أنواع بناءً على طبيعتها كما سنوضّح لاحقًا، إلا أنّه لا يُمكننا الجزم بأفضلية أحد الأنواع على غيره، كما لا يوجد نوع يُناسب جميع الأطفال، لأن فعالية أساليب التربية تعتمد على العديد من العوامل؛ بما في ذلك شخصية الطفل، والقيم العائلية، والثقافة، والسياق الاجتماعي والاقتصادي.

كما أنّ من الطبيعي أن يحصل اندماج وتداخل في أساليب التربية عند الأهل أنفسهم باختلاف المواقف التي يتعرض لها أطفالهم، وإنّ الأمر الذي يُحدد مدى صحة تعامل الأهل مع الموقف هو النتيجة التي قد يؤدي لها، فالهدف من التربية هو إنشاء طفل مستقل وواثق بنفسه قادر على اتخاذ قراراته بناء على الوازع الداخلي، مع الحرص على عدم الإضرار بمصالح الآخرين.

نمط التربية المتساهلة

تُعتبر التربية المُتساهلة أحد أنواع التربية الأساسية، حيث يميل الأهل في هذا النوع إلى اتخاذ دور الأصدقاء مع أطفالهم أكثر من دور الأهل التقليديين، فهم يفضلون تجنب الصراع ويذعنون لمطالب أطفالهم عند أول علامة على الضيق، كما أنّهم غالبًا ما يسمحون لأطفالهم بفعل ما يريدونه، ويقدمون لهم توجيهًا محدودًا جدًا. 

وعلى الرغم من أنّ هذا النمط من التربية يمكن أن يؤدي إلى إنشاء أطفال يشعرون بالحرية والاستقلالية، لكنهم قد يواجهون تحديات في التكيف مع القواعد والسلطة في البيئات الخارجية، وقد يفتقرون إلى مهارات ضبط النفس والتوجيه الذاتي. وإليك بعضًا من سمات هذا النمط:

  • الاستجابة العالية لمتطلبات الأطفال مع قلة التطلب.
  • التواصل المُنفتح والمباشر مع الأطفال، مما يخلق بيئة من الثقة والاستقلالية لدى الطفل.
  • إعطاء الأطفال مساحة لاتخاذ قراراتهم بأنفسهم.
  • قلة القواعد والتوقعات، مع ترك الحرية للأطفال لاختيار سلوكياتهم.
  • تلبية رغبات الأطفال أولوية قصوى يجب الالتزام بها، وإن كان ذلك على حساب احتياجاتهم أو احتياجات الآخرين.
  • قلة التوجيهات التي يتم تقديمها للأطفال، مما قد يُصعب على الأطفال تعلُّم مهارات الانضباط والمسؤولية.

نمط التربية الاستبدادية

في محاولة لفرض السيطرة الكاملة، يميل الآباء المتسلطون إلى التحدُّث مع أطفالهم بطريقة تتجاهل حاجتهم إلى الفهم والمشاركة، الأمر الذي يؤدي إلى قمع شخصية الطفل وروح الإبداع لديه، وهذا قد يتسبب بدوره في نشوء أطفال مطيعين بالفعل لكنّهم يعانون من نقص في الثقة بالنفس.

ومن الجدير بالذكر أن الأطفال الذين ينشؤون في ظلّ هذا النوع من التربية غالبًا ما يُظهرون أداءً أكاديميًا جيدًا بسبب الالتزام والانضباط الصارم، لكنهم قد يواجهون صعوبات في التكيف مع البيئات الاجتماعية المختلفة والتعامل مع التحديات النفسية في مراحل لاحقة من حياتهم كالقلق والتوتر. 

وإليك بعضًا من سمات التربية الاستبدادية:

    • طلب عالي واستجابة منخفضة
      يفرض الأهل قواعد صارمة على أطفالهم ويتوقعون منهم اتباعها بدقة، دون مراعاة لمشاعرهم أو آرائهم أو احتياجاتهم العاطفية والسلوكية والاجتماعية.
    • تواصل أُحادي الاتجاه
      يفترض الأهل الذين يتّبعون هذا الأسلوب أنّ عليهم الاستمرار في إملاء الأوامر والأطفال عليهم الطاعة والتنفيذ، لهذا فهم يتواصلون معهم لكن دون إتاحة الفرصة لهم للتعبير عن مشاعرهم أو أفكارهم أو وجهات نظرهم.
    • الانضباط الصارم
      يفترض الأهل انضباطًا صارمًا من أطفالهم حتى لو تطلّب الأمر ممارسة العنف الجسدي أو اللفظي في بعض الأحيان، كما أنّهم غير  مستعدين للتفسير أو التعاطف، وإن سألهم الطفل عن سبب الأمر الذي يفرضونه قد يكتفون بقول: “لأنني أُريد ذلك”.

نمط التربية المهملة

يعتبر أسلوب التربية المهملة من أكثر الأساليب التي تترك تأثيرًا سلبياً على الأطفال، لأنّ الأهل يتركون أطفالهم فلا يقدّمون لهم الدعم العاطفي والاهتمام اللازمين لنموهم السليم، الأمر الذي قد يتسبب في انعزال الطفل وانخفاض ثقته بنفسه وعدم القدرة على بناء العلاقات الاجتماعية وضعف الأداء الأكاديمي ومواجهة المشاكل العاطفية والسلوكية والنفسية.

وفي الوقت نفسه، يُعتبر التجاهل -وليس الإهمال- أحد أساليب التربية الفعالة في بعض المواقف، فإذا كُنت حازمًا مع أطفالك في كلّ الظروف قد تُصبح متسلطًا يصعب إرضاؤك، لكن إن تجاهلت بعض  التصرفات السيئة لطفلك وأعطيته الفرصة ليُصلحها بنفسه قد تترك لديه انطباعًا إيجابيًا وتُساعده على الاعتماد على نفسه، مع الحرص على المراقبة المُستمرة حتى لا يؤذي الطفل نفسه أو غيره. 

والآن إليك بعضًا من سمات التربية المُهملة:

    • استجابة منخفضة وطلب منخفض
      يُظهر الأهل اهتمامًا قليلًا بمشاعر أطفالهم واحتياجاتهم العاطفية والسلوكية، كما أنّهم لا يضعون قواعد واضحة لأطفالهم، ولا يتوقعون منهم اتباع أي قواعد.
    • نقص الرعاية والتوجيه
      الأطفال في هذه الحالة غالبًا ما يفتقرون إلى الرعاية الأساسية والإرشاد من قبل والديهم، مما يؤثر سلبًا على نموهم العاطفي والاجتماعي.
    • البرود العاطفي وعدم الاهتمام
      يتميز هذا الأسلوب بشعور عامّ باللامبالاة تجاه احتياجات الطفل، حيث يكون لدى الوالدين تفاعل محدود مع أطفالهم، وعلى الرغم من أنّ ذلك لا يكون عادةً بنية سيئة إلا أنّ آثاره وخيمة على الطفل.
    • السماح للأطفال بالاعتماد على أنفسهم بشكل مفرط
      على الرغم من أهمية الاستقلالية والاعتماد على الذات عند الأطفال، إلا أنّ اتّباع هذا الأسلوب بشكل مفرط ودون مراقبة من الأهل، أو تقديم الدعم والإرشاد عند اللزوم سيُشعر الطفل بالعبء والمسؤولية التي تفوق قدرته على التحمل. ويكون ذلك عادةً بسبب انشغال الأهل في أعمالهم أو ظروفهم الخاصة التي تدفعهم لتجاهل تصرّفات أطفالهم مهما كانت.

نمط التربية المتزنة

يعتبر الأسلوب المُتزن في التربية من أكثر الأساليب فعالية، فهو يجمع بين الحزم والمرونة، الأمر الذي يُساعد الأطفال على النمو في بيئة آمنة وداعمة تمكنهم من تطوير مهارات حياتية هامة. ومن سمات هذا النوع ما يأتي:

    • استجابة عالية ومطالبة عالية
      يضع الأهل قواعد وتوقعات واضحة لأطفالهم، لكنهم يتواصلون مع أطفالهم بمرونة وتفهّم كبيرين، كما أنّها يهتمون بأفكارهم، ومشاعرهم، وآرائهم ويأخذونها بعين الاعتبار.
    • ترسيخ فكرة التعلم من العواقب الطبيعية
       يسمح الأهل بحدوث عواقب طبيعية لتصرفات أطفالهم، والهدف من ذلك هو مساعدة الطفل على التفكير والتعلم من تجاربه الخاصّة دون توجيه مُسبق، لأنّك ستسمح له باتخاذ القرار الصحيح وفقًا لإرادته الذاتية ووازعه الداخلي. ومثال ذلك ألّا تضغط على طفلك لأداء الواجب المدرسي، وتدعه يتلقى الجزاء الطبيعي من المعلّم ليُدرك خطأه بنفسه، لكن لا تُبالغ حتى لا يعتاد الطفل على هذا الأمر.
    • تقديم الرعاية والدعم
      يقوم الأهل المُتَّزِنون برعاية ودعم أطفالهم بشكل متناغم مع احتياجاتهم العاطفية والجسدية، كما أنّهم يوجهون أطفالهم من خلال إجراء مناقشات مفتوحة وصادقة، مما يساعد في تعليمهم القيم والتفكير النقدي.
    • تطوير الانضباط الذاتي والتفكير المستقل
      يميل الأطفال الذين ينشَؤون في بيئة الأهل المُتَّزِنين إلى تطوير انضباط ذاتي قوي وقدرة على التفكير بشكل مستقل، وهذا يُمكِّنهم من التعامل مع التحديات بشكل أفضل وإظهار مستويات أعلى من الاستقلالية والمهارات الاجتماعية.

إلى هُنا نختتم هذا المقال، وقد بيّنا لك أنواع التربية الأربعة الأساسية، وأعطيناك المفتاح لاتّباع الطريقة التي تسمح لك بإنشاء أطفال مستقلين ومتوازنين. لكن عليك أن تتذكّر أنّه لا يوجد مقاس واحد من التربية يُناسب جميع الأهالي، فالأهل الناجحون هم القادرون على تغيير أسلوبهم وفقًا للموقف الذي يتعرّضون له مع أطفالهم دون الإضرار بمصالحهم أو ترك أي تأثير سلبي عليهم.